اقوال من مصطلحات القران الكريم
صفحة 1 من اصل 1
اقوال من مصطلحات القران الكريم
الرؤيا الصادقة في القرآن الكريم
إن أول مصدر بين أيدينا ، يتحدث عن الرؤيا الصادقة ، واضعاً شروطها وقوانينها هو القرآن الكريم . فقد عرض لنا سبع رؤى صادقة هي :
1- رؤيا إبراهيم عليه السلام عندما قال لابنه :
) يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك ([ الصافات : 102] .
وهي أول وأقدم رؤيا عرضها القرآن الكريم . وفيها أول أصل من أصول هذا العلم وهو الذبح .
وعلى هذا فإن رؤية الذبح في المنام فيه هذا ن المعنيان : ذبح الكبير للصغير ظلم . وذبح الصغير للكبير عقوق .
وعن هذا الأصل تتفرع معان عدة في الذبح ، فإن كان الذابح والمذبوح متساويين في السن ، أو المكانة ، فهذا بشرى للذابح برد اعتباره أمام المذبوح .
فإذا رأى أنه يذبح كبشاً ، وكانت امرأته حاملاً ، فهي بشرى بأنه سيرزق بغلام .
2- رؤيا يوسف عليه السلام عندما قال لأبيه :
) إني رأيت أحد عشر كوكباً ، والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ([ يوسف :4]
تحتاج هذه الرؤيا إلى وقفة تحليلية مطولة ، لفهم المعدود فيها وهو ( كوكب ) و ( الشمس والقمر ) .
ومن المؤكد أن عدد إخوته من أبيه كانوا عشرة ( [10] ) . وأما الحادي عشر فهو أخوه بنيامين الذي كان أصغرهم سناً . وما وصفوا بكلمة ( كوكباً ) لعلو مكانتهم كما يقول المفسرون ، وإنـما على النقيض من ذلك تماماً .
ولقد دلَّ لفظ ( الشمس ) على أبيه ، كما دلَّ لفظ ( القمر ) على أمه . هذا ما يقوله المعبرون . لكن القمر في هذا الموضع دلَّ على زوجة أبيه . فهي ليست أماً له بل خالته ، ومما لا شك فيه أنها هي خالته من جهتين . الأولى : أنها زوجة أبيه الأولى ، والثانية أنها أخت لأمه ( [11] ) . ومن المعلوم أن الكواكب والنجوم تتبع النظام القمري . وعلى هذا فإن هؤلاء الأبناء الأحد عشر كان يتبعون أمهم ، ويرهبونها .
شخصية هذه الزوجة كانت قوية إلى تلك الدرجة التي جعلتها تعزل أبناءها عن أبيهم ، وتبعدهم عنه . فلم يجرؤ واحد منهم ، لا صغيرهم ، ولا كبيرهم ، أن يبوح لأبيه عن مكر اخوته بيوسف .
لقد بلغت كراهيتهم ليوسف مبلغاً عظيماً وصل إلى حد القتل ، ومع ذلك لم يبح أي واحد منهم لأبيه ولو سراً بما يمكر إخوته به .
هذه الكراهية المتأصلة في نفوسهم ليوسف وأخيه ما هي إلا ثمرة فاسدة من ثمار هذه العلاقة الزوجية بين يعقوب عليه السلام وامرأته .
ولكي أريح القارئ من هذا الاستنتاج ، فإنني أستبق ما قلته فيما بعد ، عن النظام القمري باعتباره النظام الذي يشكل في كل ما يصدر عنه أذى مستمراً لعالم الإنسان وهو العالم الذي يتبع النظام الشمسي .
لقد حدد الله سبحانه العلاقة بين هذين العالمين بقوله : ) لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ( [ يس : 40] ، فإذا كانت الشمس هي أبوه . وأن القمر هي خالته ، فإن من صفات هذه المرأة أنها سعت خلال حياتها الزوجية مع يعقوب عليه السلام ، أن تكون لها الكلمة الفاصلة عنده . وأن يكون تبعاً لها .
لقد كانت شخصيتها مسيطرة مستبدة ، ولقد نجحت في تكريس ذلك على أولادها ، لكنها لم تكن لتنجح في ذلك مع زوجها .
فرجل مثل يعقوب عليه السلام لا يمكن أن يقبل أو يتقبل أن يعيش – وهو نبي – في ظل امرأة تتحكم به وتسيطر عليه . امرأة تسلبه رجولته وكرامته . لكنه كان صابراً عليها ، حليماً بـها ، مدركاً للأذى الشيطاني الذي يخضعها لتحقيق رغبات فاسدة كرغباتها .
ألم يقل لابنه يوسف عندما قصّ عليه رؤياه ) لا تقصص رؤياك على أخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدو مبين ( [ يوسف : 5] .
لقد كان يعقوب عليه السلام مدركاً تماماً لطبيعة زوجته ، وآثارها السيئة في تربية أولادها . لقد كانت تربية بعيدة عن أي احترام لأبيهم ، ولا بد أن يرافق ذلك ، سموم تنفثها في صدورهم مليئة بالاحتقار والسخرية منه .
واحتمل يعقوب عليه السلام منها ما احتمل ، محافظاً على هذا المركب الزوجي من التصدع . فمما لا يليق به ، وقد أنجب هذا العدد من الأولاد منها ، أن يقوم بتطليقها ، فالطلاق في حالة كحالة يعقوب عليه السلام وهو النبي الملزم بالمحافظة على سمعته ومكانته لا يحل المشكلة التي يواجهها ، بل – إن طلّقها – نقلها من السر إلى العلن ، وفتح الباب على مصراعيه أمام نيل الناس منه ومن نبوته .
ولم يكن هناك من حل أمامه ، بعد هذا الصبر الطويل عليها ، وأمام إصرارها وعنادها وتكبرها ، لم يكن هناك من حل سوى أن يتزوج عليها .
هذا الحل الذي ارتأه يعقوب عليه السلام ، أصابـها في صميم كبريائها . لقد استبدل بـها زوجة أصغر سناً منها ، وأكثر جمالاً .
وأما صغر سنها ، فهي قدرتها على الإنجاب . وأما أنها أكثر جمالاً منها . فدليله جمال ابنها يوسف ( [12] ) إذ لم يوصف أحد من أبناء يعقوب عليه السلام بالجمال سواه .
وسواء كانت ( راحيل ) الزوجة الثانية أختاً لها كما يقول المؤرخون ( [13] ) أو لم تكن ، فإن ذلك لم يحدث أثره المطلوب في كبح جماحها .
فتعاظمت كراهيتها لزوجها ، وكراهية أبنائها لأبيهم ، وانعكس ذلك مباشرة على هذين الولدين اللذين فقدا أمهما مبكراً .
ولما لم يكن هناك من يربيهما ، بعد موت أمهما ، فقد أُلزمت هي بتربيتهم .
هذا هو العدل الإلهي الذي يرد الصاع بالصاع . فلو أنها كانت مع زوجها كما يجب على الزوجة أن تكون ، لما أجبرت زوجها على الزواج من امرأة أخرى ؛ ولكانت قد أعفت نفسها من أن تقوم بتربية أبناء عدوتها وضرتها .
ومن المؤكد أنها كانت تردد على مسامع أولادها ، فعلة أبيهم بـها . وبدلاً من أن تضم هذين الصغيرين إلى صدرها ، مانحة إياهم حبها وحنانها ورعايتها ، فإنها بدلاً من ذلك ملأت قلوب أبنائها كراهية لهم ، وغيرة منهم . لقد تعاظمت هذه الكراهية في نفوس هؤلاء الأبناء على مر السنين لأخويهم ، فلم يخفف من حدتها ضياع أخيهم هذه السنوات الطويلة ، ضياعاً ملأ قلب أبيهم حزناً على فقده لولده .
ولم يستفق ضميرهم مؤنباً لهم على ما فعلته أيديهم . فلم تندّ من أحدهم كلمة واحدة فيها مواساة لأبيهم على مصابه هذا ، بل أرادوا ألا يذكر أبوهم أخاهم ولو بكلمة واحدة فقالوا : ) قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين ( [ يوسف : 85] .
ويورد الطبري حواراً أُجري بين هؤلاء الأخوة وبين أخيهم بنيامين في مجلس يوسف عليه السلام قبل أن يُعرّفهم على نفسه فيقول :
فحدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال :
لما استخرجت السرقة من رحل الغلام انقطعت ظهورهم وقالوا :
يا بني راحيل ، ما يزال لنا منكم بلاء ! متى أخذت هذا الصواع ؟
فقال بنيامين : بل بنو راحيل الذين لا يزال لهم منكم بلاء ، ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية ( [14] ) .
ولقد كان يعقوب عليه السلام مدركاً لهذا المحيط المشبع بالكراهية والغيرة على ولديه اليتيمين ، ولذلك طلب من ابنه ألا يقصّ رؤياه على اخوته ( فيكيدوا له كيداً ) .
لكن هذا الإدراك لم يكن سطحياً ، هدفه التهرب من تحمل المسؤولية ، بل كان إدراكاً جوهرياً مصدره الشيطان الذي زرع تلك الأفكار المسمومة في ذهن زوجته . ولذلك قال ( إن الشيطان للإنسان عدو مبين )
إن أول مصدر بين أيدينا ، يتحدث عن الرؤيا الصادقة ، واضعاً شروطها وقوانينها هو القرآن الكريم . فقد عرض لنا سبع رؤى صادقة هي :
1- رؤيا إبراهيم عليه السلام عندما قال لابنه :
) يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك ([ الصافات : 102] .
وهي أول وأقدم رؤيا عرضها القرآن الكريم . وفيها أول أصل من أصول هذا العلم وهو الذبح .
وعلى هذا فإن رؤية الذبح في المنام فيه هذا ن المعنيان : ذبح الكبير للصغير ظلم . وذبح الصغير للكبير عقوق .
وعن هذا الأصل تتفرع معان عدة في الذبح ، فإن كان الذابح والمذبوح متساويين في السن ، أو المكانة ، فهذا بشرى للذابح برد اعتباره أمام المذبوح .
فإذا رأى أنه يذبح كبشاً ، وكانت امرأته حاملاً ، فهي بشرى بأنه سيرزق بغلام .
2- رؤيا يوسف عليه السلام عندما قال لأبيه :
) إني رأيت أحد عشر كوكباً ، والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ([ يوسف :4]
تحتاج هذه الرؤيا إلى وقفة تحليلية مطولة ، لفهم المعدود فيها وهو ( كوكب ) و ( الشمس والقمر ) .
ومن المؤكد أن عدد إخوته من أبيه كانوا عشرة ( [10] ) . وأما الحادي عشر فهو أخوه بنيامين الذي كان أصغرهم سناً . وما وصفوا بكلمة ( كوكباً ) لعلو مكانتهم كما يقول المفسرون ، وإنـما على النقيض من ذلك تماماً .
ولقد دلَّ لفظ ( الشمس ) على أبيه ، كما دلَّ لفظ ( القمر ) على أمه . هذا ما يقوله المعبرون . لكن القمر في هذا الموضع دلَّ على زوجة أبيه . فهي ليست أماً له بل خالته ، ومما لا شك فيه أنها هي خالته من جهتين . الأولى : أنها زوجة أبيه الأولى ، والثانية أنها أخت لأمه ( [11] ) . ومن المعلوم أن الكواكب والنجوم تتبع النظام القمري . وعلى هذا فإن هؤلاء الأبناء الأحد عشر كان يتبعون أمهم ، ويرهبونها .
شخصية هذه الزوجة كانت قوية إلى تلك الدرجة التي جعلتها تعزل أبناءها عن أبيهم ، وتبعدهم عنه . فلم يجرؤ واحد منهم ، لا صغيرهم ، ولا كبيرهم ، أن يبوح لأبيه عن مكر اخوته بيوسف .
لقد بلغت كراهيتهم ليوسف مبلغاً عظيماً وصل إلى حد القتل ، ومع ذلك لم يبح أي واحد منهم لأبيه ولو سراً بما يمكر إخوته به .
هذه الكراهية المتأصلة في نفوسهم ليوسف وأخيه ما هي إلا ثمرة فاسدة من ثمار هذه العلاقة الزوجية بين يعقوب عليه السلام وامرأته .
ولكي أريح القارئ من هذا الاستنتاج ، فإنني أستبق ما قلته فيما بعد ، عن النظام القمري باعتباره النظام الذي يشكل في كل ما يصدر عنه أذى مستمراً لعالم الإنسان وهو العالم الذي يتبع النظام الشمسي .
لقد حدد الله سبحانه العلاقة بين هذين العالمين بقوله : ) لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ( [ يس : 40] ، فإذا كانت الشمس هي أبوه . وأن القمر هي خالته ، فإن من صفات هذه المرأة أنها سعت خلال حياتها الزوجية مع يعقوب عليه السلام ، أن تكون لها الكلمة الفاصلة عنده . وأن يكون تبعاً لها .
لقد كانت شخصيتها مسيطرة مستبدة ، ولقد نجحت في تكريس ذلك على أولادها ، لكنها لم تكن لتنجح في ذلك مع زوجها .
فرجل مثل يعقوب عليه السلام لا يمكن أن يقبل أو يتقبل أن يعيش – وهو نبي – في ظل امرأة تتحكم به وتسيطر عليه . امرأة تسلبه رجولته وكرامته . لكنه كان صابراً عليها ، حليماً بـها ، مدركاً للأذى الشيطاني الذي يخضعها لتحقيق رغبات فاسدة كرغباتها .
ألم يقل لابنه يوسف عندما قصّ عليه رؤياه ) لا تقصص رؤياك على أخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدو مبين ( [ يوسف : 5] .
لقد كان يعقوب عليه السلام مدركاً تماماً لطبيعة زوجته ، وآثارها السيئة في تربية أولادها . لقد كانت تربية بعيدة عن أي احترام لأبيهم ، ولا بد أن يرافق ذلك ، سموم تنفثها في صدورهم مليئة بالاحتقار والسخرية منه .
واحتمل يعقوب عليه السلام منها ما احتمل ، محافظاً على هذا المركب الزوجي من التصدع . فمما لا يليق به ، وقد أنجب هذا العدد من الأولاد منها ، أن يقوم بتطليقها ، فالطلاق في حالة كحالة يعقوب عليه السلام وهو النبي الملزم بالمحافظة على سمعته ومكانته لا يحل المشكلة التي يواجهها ، بل – إن طلّقها – نقلها من السر إلى العلن ، وفتح الباب على مصراعيه أمام نيل الناس منه ومن نبوته .
ولم يكن هناك من حل أمامه ، بعد هذا الصبر الطويل عليها ، وأمام إصرارها وعنادها وتكبرها ، لم يكن هناك من حل سوى أن يتزوج عليها .
هذا الحل الذي ارتأه يعقوب عليه السلام ، أصابـها في صميم كبريائها . لقد استبدل بـها زوجة أصغر سناً منها ، وأكثر جمالاً .
وأما صغر سنها ، فهي قدرتها على الإنجاب . وأما أنها أكثر جمالاً منها . فدليله جمال ابنها يوسف ( [12] ) إذ لم يوصف أحد من أبناء يعقوب عليه السلام بالجمال سواه .
وسواء كانت ( راحيل ) الزوجة الثانية أختاً لها كما يقول المؤرخون ( [13] ) أو لم تكن ، فإن ذلك لم يحدث أثره المطلوب في كبح جماحها .
فتعاظمت كراهيتها لزوجها ، وكراهية أبنائها لأبيهم ، وانعكس ذلك مباشرة على هذين الولدين اللذين فقدا أمهما مبكراً .
ولما لم يكن هناك من يربيهما ، بعد موت أمهما ، فقد أُلزمت هي بتربيتهم .
هذا هو العدل الإلهي الذي يرد الصاع بالصاع . فلو أنها كانت مع زوجها كما يجب على الزوجة أن تكون ، لما أجبرت زوجها على الزواج من امرأة أخرى ؛ ولكانت قد أعفت نفسها من أن تقوم بتربية أبناء عدوتها وضرتها .
ومن المؤكد أنها كانت تردد على مسامع أولادها ، فعلة أبيهم بـها . وبدلاً من أن تضم هذين الصغيرين إلى صدرها ، مانحة إياهم حبها وحنانها ورعايتها ، فإنها بدلاً من ذلك ملأت قلوب أبنائها كراهية لهم ، وغيرة منهم . لقد تعاظمت هذه الكراهية في نفوس هؤلاء الأبناء على مر السنين لأخويهم ، فلم يخفف من حدتها ضياع أخيهم هذه السنوات الطويلة ، ضياعاً ملأ قلب أبيهم حزناً على فقده لولده .
ولم يستفق ضميرهم مؤنباً لهم على ما فعلته أيديهم . فلم تندّ من أحدهم كلمة واحدة فيها مواساة لأبيهم على مصابه هذا ، بل أرادوا ألا يذكر أبوهم أخاهم ولو بكلمة واحدة فقالوا : ) قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين ( [ يوسف : 85] .
ويورد الطبري حواراً أُجري بين هؤلاء الأخوة وبين أخيهم بنيامين في مجلس يوسف عليه السلام قبل أن يُعرّفهم على نفسه فيقول :
فحدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال :
لما استخرجت السرقة من رحل الغلام انقطعت ظهورهم وقالوا :
يا بني راحيل ، ما يزال لنا منكم بلاء ! متى أخذت هذا الصواع ؟
فقال بنيامين : بل بنو راحيل الذين لا يزال لهم منكم بلاء ، ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية ( [14] ) .
ولقد كان يعقوب عليه السلام مدركاً لهذا المحيط المشبع بالكراهية والغيرة على ولديه اليتيمين ، ولذلك طلب من ابنه ألا يقصّ رؤياه على اخوته ( فيكيدوا له كيداً ) .
لكن هذا الإدراك لم يكن سطحياً ، هدفه التهرب من تحمل المسؤولية ، بل كان إدراكاً جوهرياً مصدره الشيطان الذي زرع تلك الأفكار المسمومة في ذهن زوجته . ولذلك قال ( إن الشيطان للإنسان عدو مبين )
engmze- Admin
-
عدد الرسائل : 58
تاريخ التسجيل : 04/12/2008
رد: اقوال من مصطلحات القران الكريم
ولقد أدرك يوسف عليه السلام فيما بعد أن ما حدث بينه وبين اخوته مصدره ذلك النفث الشيطاني الذي دخل على أمهم من قبل ، فأوصلها إلى ما وصلت إليه . والذي كان هؤلاء الاخوة ضحية مباشرة له عندما قال :
) وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي ( [ يوسف :100] .
وإذا كان القمر قد دلّ على شيء فإنه يدلّ على ذلك النزغ الشيطاني الذي صاحب هذه الأم ورافقها ، فصدرت عنها تربية فاسدة بنيت على كراهية وغيرة ( [15] ) .
وإذا كانت الشمس قد دلت على يعقوب ، فهي الدلالة على الحق والصدق والصفاء . وهذان أصلان من أصول هذا العلم .
ولتأكيد الحقائق التي تضمنها هذان الأصلان وهما الشمس والقمر ، فإن السلف الصالح لم يكن فهمه عنها بعيداً .
فقد روي أن قاضي حمص رأى كأن الشمس والقمر اقتتلا فتفرقت الكواكب ، فكان شطر مع الشمس ، وشطر مع القمر ، فقص رؤياه على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : مع أيهم كنت ؟ قال : مع القمر ، فقرأ عمر ) فمحونا آية الليل ، وجعلنا آية النهار مبصرة([ الإسراء : 12] ، وصرفه عن عمل حمص ، فقضى أنه خرج مع معاوية إلى صفين فقتل ( [16] ) . واعتماداً على فهم المعاني التي تتضمنها هذه الأصول ، فقد قمت بتأويل هذه الرؤيا التي تتصل بالنظام القمري . وإليك هذه الرؤيا وما نتج عنها من أحداث بعد تأويلها .
زارني صديق ذو رتبة عالية في الجيش ، ومعه زوجته ، وأخت له ، ومعهم شاب متخرج في الدراسات النفسية من الولايات المتحدة الأمريكية . هذا الشاب معه أخته وهي فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها . وهما ابنا أخت لهذا الضابط الصديق وهما مقيمان في الأردن . كان الوقت صيفاً ، فجلسنا على البلكون .
وبعد أن تجاذبنا أطراف الحديث ، وكان الجو منعشاً ، وكل شيء هادئاً ، التفت الضابط قائلاً : إن ابنة أختي تعاني من رؤيا رأتها وتريد منك أن تعبرها لها .
قالت : رأيت نفسي واقفة فوق سطح بيتنا ليلاً ، فنظرت إلى السماء فرأيت النجوم وهي تشكل أشكالاً عجيبة جميلة رائعة . فقلت لأبي : ألا ترى معي ذلك ؟ فقال لي : لا تنخدعي يا ابنتي بمنظرٍ كهذا .
التفت إلى الضابط وقلت : هل لديكم استعداد كافٍ لما سأقوله ؟ قال : نعم ، ولم يدرك مغزى سؤالي . فسألتها : هل تتراءى لك مخلوقات من عوالم أخرى ؟
لقد كان سؤالاً واحداً وحيداً من بين عشرات الأسئلة التي يمكن أن تطرح . وما كدت أُنهي سؤالي ، وإذا بي أراها واقفة ، قد نزعت غطاء رأسها ، وصرخت صرخة بعيدة مدوية ، ثم وضعت قدمها على كنبتها تريد أن ترمي بنفسها من الدور الثاني .
عندئذ وقف الجميع وقد أمسكوا بـها ، فما كان منها إلاّ أن جثت على الأرض ، وزحفت جاثية على قدميها ويديها خارجة من بين الكراسي ، إلى الممر المؤدي إلى الصالون . وهناك بدأت تلقي بكل ما تحمله في يديها وأذنيها من حلي ، وهي تتأوه ثم تصرخ صراخاً مصحوباً ببكاء موجع .
لم يكن هناك من حل بين أيدينا إلا أن نوقف هذا الأذى الشيطاني الواقع عليها من شركاء جدد يصطحبونها ، إلا قراءة القرآن .
ولساعتين متصلتين ونحن وقوف حولها ، كنت أقرأ أواخر سورة البقرة )آمن الرسول( بصوت عالٍ و يرددون معي . وقف أخوها مذهولاً أمام ما يراه ، ويبدو أنه قد شعر بالعجز عن مد يد المساعدة لأخته فقال وهو مضطرب : ماذا يمكنني أن أفعل لها ؟ قلت له : اقرأ معنا وحسب .
أمام هذه الوقفة الجماعية المصحوبة بقراءة الآيات من أواخر سورة البقرة ، بدأت تظهر عليها تدريجياً عوارض الهدوء ، ثم عادت إلى طبيعتها ، لكنها كانت تتحاشى أن تنظر إليّ . وعند انصرافهم قال لي الضابط وقد أستوعب المغزى من سؤالي : لو كنت أعلم بحالتها هذه ما كنت جئت بـها . ولكن أخبرني كيف استطعت أن تعبر ذلك ؟
قلت : لقد ذكرت هي النجوم التي تتشكل ، وهذه النجوم تتبع النظام القمري ، وكل ما يتبع هذا النظام فإنه يدخل منه أذى شيطاني علينا .
ولنا في فصل قادم تفصيل أكثر عن هذين النظامين ، ودلالة كل منهما في علم تأويل الرؤيا .
) وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي ( [ يوسف :100] .
وإذا كان القمر قد دلّ على شيء فإنه يدلّ على ذلك النزغ الشيطاني الذي صاحب هذه الأم ورافقها ، فصدرت عنها تربية فاسدة بنيت على كراهية وغيرة ( [15] ) .
وإذا كانت الشمس قد دلت على يعقوب ، فهي الدلالة على الحق والصدق والصفاء . وهذان أصلان من أصول هذا العلم .
ولتأكيد الحقائق التي تضمنها هذان الأصلان وهما الشمس والقمر ، فإن السلف الصالح لم يكن فهمه عنها بعيداً .
فقد روي أن قاضي حمص رأى كأن الشمس والقمر اقتتلا فتفرقت الكواكب ، فكان شطر مع الشمس ، وشطر مع القمر ، فقص رؤياه على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : مع أيهم كنت ؟ قال : مع القمر ، فقرأ عمر ) فمحونا آية الليل ، وجعلنا آية النهار مبصرة([ الإسراء : 12] ، وصرفه عن عمل حمص ، فقضى أنه خرج مع معاوية إلى صفين فقتل ( [16] ) . واعتماداً على فهم المعاني التي تتضمنها هذه الأصول ، فقد قمت بتأويل هذه الرؤيا التي تتصل بالنظام القمري . وإليك هذه الرؤيا وما نتج عنها من أحداث بعد تأويلها .
زارني صديق ذو رتبة عالية في الجيش ، ومعه زوجته ، وأخت له ، ومعهم شاب متخرج في الدراسات النفسية من الولايات المتحدة الأمريكية . هذا الشاب معه أخته وهي فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها . وهما ابنا أخت لهذا الضابط الصديق وهما مقيمان في الأردن . كان الوقت صيفاً ، فجلسنا على البلكون .
وبعد أن تجاذبنا أطراف الحديث ، وكان الجو منعشاً ، وكل شيء هادئاً ، التفت الضابط قائلاً : إن ابنة أختي تعاني من رؤيا رأتها وتريد منك أن تعبرها لها .
قالت : رأيت نفسي واقفة فوق سطح بيتنا ليلاً ، فنظرت إلى السماء فرأيت النجوم وهي تشكل أشكالاً عجيبة جميلة رائعة . فقلت لأبي : ألا ترى معي ذلك ؟ فقال لي : لا تنخدعي يا ابنتي بمنظرٍ كهذا .
التفت إلى الضابط وقلت : هل لديكم استعداد كافٍ لما سأقوله ؟ قال : نعم ، ولم يدرك مغزى سؤالي . فسألتها : هل تتراءى لك مخلوقات من عوالم أخرى ؟
لقد كان سؤالاً واحداً وحيداً من بين عشرات الأسئلة التي يمكن أن تطرح . وما كدت أُنهي سؤالي ، وإذا بي أراها واقفة ، قد نزعت غطاء رأسها ، وصرخت صرخة بعيدة مدوية ، ثم وضعت قدمها على كنبتها تريد أن ترمي بنفسها من الدور الثاني .
عندئذ وقف الجميع وقد أمسكوا بـها ، فما كان منها إلاّ أن جثت على الأرض ، وزحفت جاثية على قدميها ويديها خارجة من بين الكراسي ، إلى الممر المؤدي إلى الصالون . وهناك بدأت تلقي بكل ما تحمله في يديها وأذنيها من حلي ، وهي تتأوه ثم تصرخ صراخاً مصحوباً ببكاء موجع .
لم يكن هناك من حل بين أيدينا إلا أن نوقف هذا الأذى الشيطاني الواقع عليها من شركاء جدد يصطحبونها ، إلا قراءة القرآن .
ولساعتين متصلتين ونحن وقوف حولها ، كنت أقرأ أواخر سورة البقرة )آمن الرسول( بصوت عالٍ و يرددون معي . وقف أخوها مذهولاً أمام ما يراه ، ويبدو أنه قد شعر بالعجز عن مد يد المساعدة لأخته فقال وهو مضطرب : ماذا يمكنني أن أفعل لها ؟ قلت له : اقرأ معنا وحسب .
أمام هذه الوقفة الجماعية المصحوبة بقراءة الآيات من أواخر سورة البقرة ، بدأت تظهر عليها تدريجياً عوارض الهدوء ، ثم عادت إلى طبيعتها ، لكنها كانت تتحاشى أن تنظر إليّ . وعند انصرافهم قال لي الضابط وقد أستوعب المغزى من سؤالي : لو كنت أعلم بحالتها هذه ما كنت جئت بـها . ولكن أخبرني كيف استطعت أن تعبر ذلك ؟
قلت : لقد ذكرت هي النجوم التي تتشكل ، وهذه النجوم تتبع النظام القمري ، وكل ما يتبع هذا النظام فإنه يدخل منه أذى شيطاني علينا .
ولنا في فصل قادم تفصيل أكثر عن هذين النظامين ، ودلالة كل منهما في علم تأويل الرؤيا .
engmze- Admin
-
عدد الرسائل : 58
تاريخ التسجيل : 04/12/2008
رد: اقوال من مصطلحات القران الكريم
يوسف والتأويل
كيف أصبح يوسف عليه السلام معبراً ؟ من المؤكد أنه أصبح معبراً عندما دخل السجن ، أما قبل السجن فلم يكن كذلك .
ولا بد لنا قبل أن نخوض في تحليل الرؤى الثلاثة ، التي قام بتأويلها وهو في السجن . من أن نتعرف على التجربة التي مرّ بـها قبل السجن فأوصلته إلى أن يخصه الله سبحانه بهذا العلم .
ونبدأ بقول الله تعالى له : ) وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث([ يوسف :12] .
فالفعل ( يجتبيك ) هو فعل استعمله الله سبحانه لاثنين من الأنبياء ، مرّ كل واحد منهما بتجربة مريرة .
أولهما كان آدم عليه السلام ، الذي تعرض لتجربة قاسية مع الشيطان . وتفصّل الآيات الكريمة بألفاظ مكثفة أبعاد هذه التجربة فتقول :
) فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ، فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى ، ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ( [ طه :120-122] .
فهنا عصيان لأمر الهي ، يتبعه غواية من الشيطان ، كادت أن تذهب بآدم عليه السلام .لقد كانت هذه التجربة مُرة قاسية على آدم ، فهو أول من مرّ بتجربة كهذه .
فقد كان صراعه مع الشيطان صراعاً لا مرئياً ، ولم يكن انحرافه وعصيانه نابعاً من ذاته ، وإنـما بفعل مؤثر خارجي لا مرئي له .
ولما كانت كل تجربة لها خاتمة كما أن لها بداية ، فقد كان ( الاجتباء ) لآدم خاتمة لها .
وأما الاجتباء الثاني فكان ليونس عليه السلام . فقد وصف الله سبحانه تجربته فقال : ) فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم ، لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم ، فاجتباه ربه فجعله من الصالحين ( [ القلم :48-50] . فيونس عليه السلام ، أوصله قومه إلى قمة الغضب ، عندما رآهم معرضين عن الإيمان بدعوته ، فغادرهم غاضباً قد مُلئ غيظاً ، ولم يدرك أن غضبه هو ما يريده الشيطان منه ليصرفه عن استكمال دعوته لقومه .
وهنا نجد أنّ عصيانه في تنفيذ الأمر الإلهي الذي كُلف به ، لم يكن نابعاً من ذاته ، وإنـما بفعل مؤثر خارجي عنه . وأمام هذا العصيان كان هناك ( الاجتباء ) ليونس خاتمة لهذه التجربة . أما في حالة يوسف عليه السلام فقد كان هذا ( الاجتباء ) مقدراً عليه من قبل أن يخوض أية تجربة ، ومن قبل أن يتعرض لأي مؤثر خارجي شيطاني أو غير شيطاني .
ولما كان ( اجتباؤه ) والمعنى هنا اختياره وانتقاؤه مقدراً عليه من قبل ، فلا بد عندئذٍ من إحاطة هذه التجربة بالشروط الكفيلة بنجاحها .
ولهذا فلقد تم اقتلاعه من محيطه التربوي والاجتماعي بعيداً عن تأثير أبيه النبي يعقوب عليه السلام عليه ، ثم نفيه إلى محيط اجتماعي مختلف تماماً عن مجتمعه في عاداته وتقاليده ومفاهيمه .
فالمجتمع المدني يتسم بحرية أفراده ، وللمرأة فيه حظ كبير من الحرية والاستقلال والتنقل ، أما المجتمع الصحراوي فهو مجتمع يقيّد أفراده بقيم القبيلة ، ومفاهيمها ، وليس للمرأة فيه حظ كحظها في مجتمع المدينة .
هذا الإطار الخارجي لهذه التجربة ، هو الإطار الذي وفّر ليوسف هذه الحرية التي كان يفتقدها ، والتي هو بحاجة ماسة لها . فقد جاء إلى هذا الوسط الاجتماعي فتى لا يزيد عمره عن سبعة عشر عاماً ( [17] ) ، ثم ها هو ذا ينتقل فيه من مكان لآخر حتى استقر المقام به في بيت العزيز .
هذه الخبرة الاجتماعية التي تنامت معه ، صقلت شخصيته ، فمنحته تلك الرجولة التي تستهوي النساء المتزوجات في أزواجهم .
لقد كان بيت العزيز هو الإطار الداخلي الذي يحقق لهذه التجربة شرطها الضروري ، ففيه امرأة متزوجة ذات غنى ، ولها حريتها التي تمكنها من أن تفعل ما تشاء .
أضف إلى ذلك تمتعها بشخصية قوية قادرة على أن تتحكم بشؤون بيتها وأن تفرض إرادتها على زوجها .
هذا الزوج الذي صوره القرآن الكريم بأنه مسلوب الإرادة ، ضعيف الشخصية أمامها ، قد سلبت منه نخوته ، وحرصه على عرضه .
إذ أنه ، وبعد أن انجلت حقيقة خيانتها أمامه ، لم يزد على قوله : ) يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين ( [ يوسف :29] .
رجل كهذا إرادته مسلوبة في بيته ، وشخصيته ضعيفة إلى هذا الحد أمام زوجته ، مع أنه في منصب حكومي يفرض عليه أن يكون آمراً وناهياً وذا شخصية قوية في عمله أمام رؤسائه .
وتمرّ الأيام والسنون بيوسف عليه السلام في هذا البيت ، وهو تحت نظر امرأة العزيز وبصرها فينكشف أمام عينيها جماله ورجولته .
هذه الرجولة التي كانت تفتقدها في زوجها ، فليس جمال الرجل مقياساً لشخصه ، إذ أن مقياس الجمال إنـما تقاس به النساء ، وإنـما المقياس الحقيقي لجمال الرجل هو رجولته .
وما الرجولة إلا أن يكون حازماً في مواطن الحزم ، ليناً في موضع اللين ، له رأي سديد يمليه بثقة وبعد نظر .
كل صفات الرجولة هذه كانت بعيدة كل البعد عن العزيز زوجها . وربما تكون هي نفسها قد ساهمت في إفقاد زوجها هذه الرجولة ، وتحويله إلى مسخ بين يديها .
أما كيف استطاعت أن تفعل ذلك ؟ وأن تسعين بمن يمكنّها من تحقيق هذا الهدف ؟ فهذا ما يقدمه هذا التحليل الجديد لهذه الشخصية .
وهنا لا بد من أن نعالج نقطتين جوهريتين في هذه القصة القرآنية .
أولهما : شخصية امرأة العزيز . هذه الشخصية كانت تستمد قوتها في تحطيم مكانة زوجها ، وسمعته ، ثم في إغراء يوسف عليه السلام ، ومن ثم ملاحقته فيما بعد عندما امتنع عنها وحبك المؤامرات الكفيلة بإيصاله إلى السجن .
كل هذا كانت تفعله عن قوة واقتدار لا تملكها معظم النساء . وليس من المعقول أبداً أن تستعين برجال يعملون تحت إمرة زوجها ، لأنها لا يمكن أن تستخدم من يكون جاسوساً عليها ، بحيث ينقل أخبارها إلى زوجها .
وإذاً فما هو مصدر قوتها هذه ؟ ليس هناك من تحليل مقنع لمعرفة مصدر هذه القوة ما لم يكن لها شركاء من عالم الجن .
هؤلاء الشركاء – ليسوا مرئيين – ويمكن لهم أن يكونوا بين يديها خدماً حاضرين . ولكونهم ذكوراً ، فإن تكليفهم بأي أمر ، إنـما يقومون به بلا شفقة ولا رحمة ، وكل همهم أن ينالوا رضا شريكتهم .
ألم يصف الله تعالى هذه الحقيقة عندما قال : ) واتخذوا من دون اللّه آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون ( [ يس : 74-75]
ألم تقل هي نفسها بصوت مرتفع أمام النسوة الشامتات بـها ، وبكل ثقة واقتدار ، وبلا أدنى حياء أو خجل ) ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكوناً من الصاغرين ( [ يوسف :32] . ألم يكن رفضه في تحقيقه لشهوتها ، طعنة بالغة لأنوثتها ؟ وهل هناك تحطيم أبلغ لامرأة تلقي نفسها بين ذراعي رجل لكنه يرفضها ؟ إنها مهانة كبرى لن تتقبلها ، وستحرص على أن ترد هذه الطعنة بطعنة أكثر إيلاماً من طعنته .
ولم يكن أمامها ما يحقق لها ذلك إلا أن تكيد . والكيد فعل شيطاني لا مرئي ، فيه يحيك المشاركون مؤامراتهم مع شركائهم . إنني أفهم هذا الكيد الذي اضطلعت به مع شركائها من خلال قولها عندما اعترفت بالمؤامرات التي كادت له فقالت : ) وأنّ الله لا يهدي كيد الخائنين ( [ يوسف : 52 ] ، فإذا كان الكيد منها ، فإن التنفيذ كان من شركائها الذكور فـ ( الخائنين ) جمع مذكر سالم . ولو كان شركاؤها إناثاً لقالت ( كيد الخائنات ) ، ولي وقفة عند لفظة ( الخيانة ) في فصل قادم .
لقد وصف الله تعالى هذا الكيد في أكثر من موضع دالاً من خلاله على المؤامرات التي يحيكها الشركاء للإيقاع بمن يريدون الإيقاع به .
) أم يريدون كيداً ، فالذين كفروا هم المكيدون ([ الطور :42]
) وما كيد الكافرين إلا في ضلال ([ غافر :25]
) فقاتلوا أولياء الشيطان ، إن كيد الشيطان كان ضعيفاً ([ النساء :76]
ولم يكن هناك من وسيلة ، أمام هذا الشاب الأعزل المنقطع الجذور، الخالي من أية حماية ، سوى اللجوء إلى الله تعالى ، يدعوه فيها إلى أن ينير له دربه، وأن يفتح له آفاق ما يجهله مما يحاك ضده
كيف أصبح يوسف عليه السلام معبراً ؟ من المؤكد أنه أصبح معبراً عندما دخل السجن ، أما قبل السجن فلم يكن كذلك .
ولا بد لنا قبل أن نخوض في تحليل الرؤى الثلاثة ، التي قام بتأويلها وهو في السجن . من أن نتعرف على التجربة التي مرّ بـها قبل السجن فأوصلته إلى أن يخصه الله سبحانه بهذا العلم .
ونبدأ بقول الله تعالى له : ) وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث([ يوسف :12] .
فالفعل ( يجتبيك ) هو فعل استعمله الله سبحانه لاثنين من الأنبياء ، مرّ كل واحد منهما بتجربة مريرة .
أولهما كان آدم عليه السلام ، الذي تعرض لتجربة قاسية مع الشيطان . وتفصّل الآيات الكريمة بألفاظ مكثفة أبعاد هذه التجربة فتقول :
) فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ، فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى ، ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ( [ طه :120-122] .
فهنا عصيان لأمر الهي ، يتبعه غواية من الشيطان ، كادت أن تذهب بآدم عليه السلام .لقد كانت هذه التجربة مُرة قاسية على آدم ، فهو أول من مرّ بتجربة كهذه .
فقد كان صراعه مع الشيطان صراعاً لا مرئياً ، ولم يكن انحرافه وعصيانه نابعاً من ذاته ، وإنـما بفعل مؤثر خارجي لا مرئي له .
ولما كانت كل تجربة لها خاتمة كما أن لها بداية ، فقد كان ( الاجتباء ) لآدم خاتمة لها .
وأما الاجتباء الثاني فكان ليونس عليه السلام . فقد وصف الله سبحانه تجربته فقال : ) فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم ، لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم ، فاجتباه ربه فجعله من الصالحين ( [ القلم :48-50] . فيونس عليه السلام ، أوصله قومه إلى قمة الغضب ، عندما رآهم معرضين عن الإيمان بدعوته ، فغادرهم غاضباً قد مُلئ غيظاً ، ولم يدرك أن غضبه هو ما يريده الشيطان منه ليصرفه عن استكمال دعوته لقومه .
وهنا نجد أنّ عصيانه في تنفيذ الأمر الإلهي الذي كُلف به ، لم يكن نابعاً من ذاته ، وإنـما بفعل مؤثر خارجي عنه . وأمام هذا العصيان كان هناك ( الاجتباء ) ليونس خاتمة لهذه التجربة . أما في حالة يوسف عليه السلام فقد كان هذا ( الاجتباء ) مقدراً عليه من قبل أن يخوض أية تجربة ، ومن قبل أن يتعرض لأي مؤثر خارجي شيطاني أو غير شيطاني .
ولما كان ( اجتباؤه ) والمعنى هنا اختياره وانتقاؤه مقدراً عليه من قبل ، فلا بد عندئذٍ من إحاطة هذه التجربة بالشروط الكفيلة بنجاحها .
ولهذا فلقد تم اقتلاعه من محيطه التربوي والاجتماعي بعيداً عن تأثير أبيه النبي يعقوب عليه السلام عليه ، ثم نفيه إلى محيط اجتماعي مختلف تماماً عن مجتمعه في عاداته وتقاليده ومفاهيمه .
فالمجتمع المدني يتسم بحرية أفراده ، وللمرأة فيه حظ كبير من الحرية والاستقلال والتنقل ، أما المجتمع الصحراوي فهو مجتمع يقيّد أفراده بقيم القبيلة ، ومفاهيمها ، وليس للمرأة فيه حظ كحظها في مجتمع المدينة .
هذا الإطار الخارجي لهذه التجربة ، هو الإطار الذي وفّر ليوسف هذه الحرية التي كان يفتقدها ، والتي هو بحاجة ماسة لها . فقد جاء إلى هذا الوسط الاجتماعي فتى لا يزيد عمره عن سبعة عشر عاماً ( [17] ) ، ثم ها هو ذا ينتقل فيه من مكان لآخر حتى استقر المقام به في بيت العزيز .
هذه الخبرة الاجتماعية التي تنامت معه ، صقلت شخصيته ، فمنحته تلك الرجولة التي تستهوي النساء المتزوجات في أزواجهم .
لقد كان بيت العزيز هو الإطار الداخلي الذي يحقق لهذه التجربة شرطها الضروري ، ففيه امرأة متزوجة ذات غنى ، ولها حريتها التي تمكنها من أن تفعل ما تشاء .
أضف إلى ذلك تمتعها بشخصية قوية قادرة على أن تتحكم بشؤون بيتها وأن تفرض إرادتها على زوجها .
هذا الزوج الذي صوره القرآن الكريم بأنه مسلوب الإرادة ، ضعيف الشخصية أمامها ، قد سلبت منه نخوته ، وحرصه على عرضه .
إذ أنه ، وبعد أن انجلت حقيقة خيانتها أمامه ، لم يزد على قوله : ) يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين ( [ يوسف :29] .
رجل كهذا إرادته مسلوبة في بيته ، وشخصيته ضعيفة إلى هذا الحد أمام زوجته ، مع أنه في منصب حكومي يفرض عليه أن يكون آمراً وناهياً وذا شخصية قوية في عمله أمام رؤسائه .
وتمرّ الأيام والسنون بيوسف عليه السلام في هذا البيت ، وهو تحت نظر امرأة العزيز وبصرها فينكشف أمام عينيها جماله ورجولته .
هذه الرجولة التي كانت تفتقدها في زوجها ، فليس جمال الرجل مقياساً لشخصه ، إذ أن مقياس الجمال إنـما تقاس به النساء ، وإنـما المقياس الحقيقي لجمال الرجل هو رجولته .
وما الرجولة إلا أن يكون حازماً في مواطن الحزم ، ليناً في موضع اللين ، له رأي سديد يمليه بثقة وبعد نظر .
كل صفات الرجولة هذه كانت بعيدة كل البعد عن العزيز زوجها . وربما تكون هي نفسها قد ساهمت في إفقاد زوجها هذه الرجولة ، وتحويله إلى مسخ بين يديها .
أما كيف استطاعت أن تفعل ذلك ؟ وأن تسعين بمن يمكنّها من تحقيق هذا الهدف ؟ فهذا ما يقدمه هذا التحليل الجديد لهذه الشخصية .
وهنا لا بد من أن نعالج نقطتين جوهريتين في هذه القصة القرآنية .
أولهما : شخصية امرأة العزيز . هذه الشخصية كانت تستمد قوتها في تحطيم مكانة زوجها ، وسمعته ، ثم في إغراء يوسف عليه السلام ، ومن ثم ملاحقته فيما بعد عندما امتنع عنها وحبك المؤامرات الكفيلة بإيصاله إلى السجن .
كل هذا كانت تفعله عن قوة واقتدار لا تملكها معظم النساء . وليس من المعقول أبداً أن تستعين برجال يعملون تحت إمرة زوجها ، لأنها لا يمكن أن تستخدم من يكون جاسوساً عليها ، بحيث ينقل أخبارها إلى زوجها .
وإذاً فما هو مصدر قوتها هذه ؟ ليس هناك من تحليل مقنع لمعرفة مصدر هذه القوة ما لم يكن لها شركاء من عالم الجن .
هؤلاء الشركاء – ليسوا مرئيين – ويمكن لهم أن يكونوا بين يديها خدماً حاضرين . ولكونهم ذكوراً ، فإن تكليفهم بأي أمر ، إنـما يقومون به بلا شفقة ولا رحمة ، وكل همهم أن ينالوا رضا شريكتهم .
ألم يصف الله تعالى هذه الحقيقة عندما قال : ) واتخذوا من دون اللّه آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون ( [ يس : 74-75]
ألم تقل هي نفسها بصوت مرتفع أمام النسوة الشامتات بـها ، وبكل ثقة واقتدار ، وبلا أدنى حياء أو خجل ) ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكوناً من الصاغرين ( [ يوسف :32] . ألم يكن رفضه في تحقيقه لشهوتها ، طعنة بالغة لأنوثتها ؟ وهل هناك تحطيم أبلغ لامرأة تلقي نفسها بين ذراعي رجل لكنه يرفضها ؟ إنها مهانة كبرى لن تتقبلها ، وستحرص على أن ترد هذه الطعنة بطعنة أكثر إيلاماً من طعنته .
ولم يكن أمامها ما يحقق لها ذلك إلا أن تكيد . والكيد فعل شيطاني لا مرئي ، فيه يحيك المشاركون مؤامراتهم مع شركائهم . إنني أفهم هذا الكيد الذي اضطلعت به مع شركائها من خلال قولها عندما اعترفت بالمؤامرات التي كادت له فقالت : ) وأنّ الله لا يهدي كيد الخائنين ( [ يوسف : 52 ] ، فإذا كان الكيد منها ، فإن التنفيذ كان من شركائها الذكور فـ ( الخائنين ) جمع مذكر سالم . ولو كان شركاؤها إناثاً لقالت ( كيد الخائنات ) ، ولي وقفة عند لفظة ( الخيانة ) في فصل قادم .
لقد وصف الله تعالى هذا الكيد في أكثر من موضع دالاً من خلاله على المؤامرات التي يحيكها الشركاء للإيقاع بمن يريدون الإيقاع به .
) أم يريدون كيداً ، فالذين كفروا هم المكيدون ([ الطور :42]
) وما كيد الكافرين إلا في ضلال ([ غافر :25]
) فقاتلوا أولياء الشيطان ، إن كيد الشيطان كان ضعيفاً ([ النساء :76]
ولم يكن هناك من وسيلة ، أمام هذا الشاب الأعزل المنقطع الجذور، الخالي من أية حماية ، سوى اللجوء إلى الله تعالى ، يدعوه فيها إلى أن ينير له دربه، وأن يفتح له آفاق ما يجهله مما يحاك ضده
engmze- Admin
-
عدد الرسائل : 58
تاريخ التسجيل : 04/12/2008
رد: اقوال من مصطلحات القران الكريم
وهنا تأتي الرؤيا الصادقة التي بدأت مع يوسف عليه السلام ، محذرةً له من مؤامراتهم ، وكاشفة له عما يخططون له للإيقاع به .
هذه العناية الإلهية التي أحاطته كانت من خلال تلك الرؤى الصادقة التي أُكرم بـها . وإنني لأرى أن هذا الكيد قد وصل أقصاه ، إذ أنه كانت هناك رؤى خاصة به تحذره من هؤلاء المجرمين الذين يسعون إلى قتله والخلاص منه .
ورؤيتي لهذا الواقع إنـما استنتجتها من خلال دعوته إلى ربه أن يسجن . فالسجن حماية للمرء من براثن القتلة خارجه . وعندما لم يستطيعوا قتله سعوا إلى سجنه ) ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننّه حتى حين ([ يوسف :35] .
وهنا تتحد الأهداف من وراء سجنه، فبالنسبة ليوسف عليه السلام هو حماية له ، وبالنسبة لأولئك يحقق الحد الأدنى لهم من سوء سمعته والتشهير به .
إلى هنا تكون هذه التجربة قد اكتملت أبعادها ، ووصلت إلى نهايتها التي أراد لها الله تعالى من قبل . ورؤية الإنسان نفسه في السجن في المنام أصل مستمد من أصول هذا التحليل ، ويدل على كل من سيتهم بتهمة باطلة هو بريء منها .
ولتأكيد هذا الأصل ، لا بد لي من أن أروي هذا المنام الذي قصته عليّ محضرة للعلوم في إحدى المدارس .
قالت : رأيت زوجي في نومي في السجن .
قلت لها على الفور : يتهم تهمة باطلة هو بريء منها ثم ينجو .
وبعد أسبوع تماماً . قالت لي : من أين استجمعت تأويلك لرؤياي عن زوجي ؟ لقد كان تأويلاً صادقاً تماماً .
وقصته كما يلي : إن زوجي كان متطوعاً في الجيش ومسؤولاً أثناءها عن قطع عسكرية ذات قيمة ، ولما بلغ الستين تم إعفاؤه من العمل .
وبعد خمس سنوات من إعفائه جاءه تبليغ بحضور محكمة عسكرية ، وكان ذلك بعد تأويلك لرؤياي . وعندما ذهب إلى المحكمة بلغوه أن هناك قطعة ذات قيمة لم يقم بإبراء ذمته منها . ولحسن الحظ ، فإن زوجي كان يحتفظ بأوراقه كاملة ، على الرغم من مرور هذه السنوات على تسريحه ، ومن بين هذه الأوراق ، الورقة التي تثبت تسليمه لتلك القطعة . وقد صدر البارحة قرار ببراءته .
* * * * *
وأما النقطة الجوهرية الثانية التي تطرحها هذه القصة القرآنية فهي البرهان الإلهي . ) ولقد همت به وهمَّ بـها لولا أن رأى برهان ربه ( [ يوسف : 24] .
فالبرهان هو الدليل القاطع الذي يقوم بعد مناقشة عقلية محضة ، فإذا كان من الله فهو دليل مانع لأي شك وصل الذروة في مناقشة عقلية ولم يصل فيها صاحبـها إلى اليقين . ففي حالة يوسف عليه السلام ، كان يرى – وهو يعيش في مجتمع وثني – انحلال هذا المجتمع وتفسخه ، فلا يقيم وزناً لخلق أو دين .
فامرأة العزيز عندما دعت النسوة ليروا جماله ، انبهرن به ، وقطعن أيديهن ، ولم يصدر عن امرأة منهن ما يدل على استنكارها ، لما تعرضه تلك المرأة عليهن .
مجتمع كهذا ليس للفضيلة مكان فيه، مرتع خصب لشاب أعزب ، تتنامى لديه الرغبة الجنسية العارمة التي يؤججها جو من الإباحية ، والتعري ، شبيه تماماً بما نراه في المجتمع الغربي اليوم .
ولكنه – في الوقت نفسه – يعيش في بيت رجل لم يجد منه إلا كل إحسان ورعاية ، فكيف يمكن له أن يرد على إحسانه بالإساءة ؟ وهل يتقبل عقله وضميره أن يخونه في زوجته ؟ هذا الصراع بين عقله وشهوته كان بحاجة إلى برهان . برهان يستند إليه يكون منجياً له من صراعه ، ومنقذاً له من معاناته .
إنه – وإن كان قد همَّ بـها – فإنه لا يزال يحتفظ بتلك القدرة العقلية والضميرية التي تغلب شهوته .
هذه المساحة المحدودة ما بين العقل والشهوة التي يتنامى أحدها على حساب الآخر ، كان بحاجة ماسة فيها إلى برهان يريحه . برهان يضع حداً فاصلاً ما بين هذا وذاك .
ولم يكن هناك من أحد يستطيع أن يبوح له بما يعانيه ، وليس هناك من رادع اجتماعي له فهو في بيئة غريب عنها ، ولم يعد هناك من باب يطرقه غير باب الله تعالى .
في هذا الموقف العصيب كان هناك البرهان الإلهي مادّاً حبل النجاة له . لقد كان نوراً إلهياً حقيقياً رآه بعينيه قاطعاً الشك باليقين المطلق . إنه الله الذي أكرمه بهذا البرهان فهو الذي يسمع ويرى .
لقد كان هذا المشهد النوراني لمحة كافية له لتنقله من العالم المادي المحيط به ، إلى العالم الروحاني المطلق .
ولكن ألم يكن إبراهيم عليه السلام وهو صاحب الإيمان المطلق بحاجة إلى برهان كهذا ؟ ألم يطلب من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ؟
ثم ألم يكن لوط عليه السلام بحاجة إلى برهان إلهي ينقذه وضيوفه مما أراد قومه أن يفعلوه بهم ؟ ألم يقل في هذا الموقف العصيب ) لو أنّ لي بكم قوة أو أوي إلى ركن شديد ( [ هود : 80] ؟
في اللحظة الحاسمة الفاصلة يأتي البرهان الإلهي فيكون تكريماً عظيماً من الله سبحانه لعبده الصابر المُعاني الذي لا يجد عوناً من أحد إلا عون الله له . وهكذا يكون هذا البرهان تكريماً من الله لعبد يستحق هذا التكريم .
إن هذا البرهان الإلهي يأتي لصاحبه مرّة واحدة فقط . ولن يكون هناك بعده حاجة لبرهان آخر .
هذه الحقيقة في البرهان تتعرض باستمرار لاستخدام كاذب من أولئك المشاركين ، مدعين أنّ فلاناً سيحدث معه كذا ، فإذا سئلوا عن مصدر علمهم بهذا قالوا : شيء أكرمنا الله به .
ونختتم هذا الفصل بأصل من أصول هذا العلم وهو اجتماع النسوة ، فكل اجتماع لهن دليل على مصيبة ستحدث في مكان اجتماعهن ، ولو كان ذلك في الحرم .
وللغة دور في تأكيد هذا الأصل حيث لفظة ( المأتم ) هي لفظة خاصة باجتماع النساء حصراً سواء كان هذا الاجتماع لخير أو لشر . ومن نافلة القول أن الناس يستعملونها للدلالة على المصيبة ( [18] ) .
* * * * *
هذا النور الإلهي الذي يصاحب البرهان يمنح صاحبه صفاءً ذهنياً وعقلياً ونفسياً لا مثيل له . ولا يعرفه حق المعرفة إلا من تذوقه .
وهذا مصداق قوله تعالى : ) ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ([ النور :40] .
ولابد لكل من أذن الله له بالخوض في علم كعلم التأويل من أن يكون قد رأى هذا النور الإلهي الذي منه يستمد هذا الإلهام في تأويله . وهنا نتوقف عند تحليل الرؤيتين اللتين عُرضتا على يوسف وهو في السجن . ويكون ترتيبهما الرؤيا الثالثة والرابعة في القرآن الكريم :
3- الرؤيا الأولى : ساقي الملك . قال : ) إني أراني أعصر خمراً ([ يوسف :36] .
إن هذه الرؤيا هي خير مثال للرؤيا الصادقة لأنها تحوي الشروط الأربعة التي حددتها في فصل سابق لها .
وإنني إذ أقوم بتحليلها فإنني أفعل ذلك ، وكأنها تُعرض علي اليوم ، فماذا عساي أن أقول فيها ؟ إن مصر لم تكن في يوم من الأيام منتجة للعنب ، ولذلك فإنهم مضطرون لاستيراد الخمر مصنعاً من بلاد الشام . فجودة الخمر مرهونة بجودة العنب الذي يصلح للتخمير .
هذه الخمر المصنعة ربما ترضي أذواق العامة من الناس ، أما القصور الملكية التي تقدمه شراباً لضيوفها ، فإنها تحتاج إلى خمر مصنعة من أجود أصناف العنب ، وتحضرها أيد خبيرة ، لها باع طويل في تصنيعه بيديها بما يرضي مذاق الطبقة الراقية الخبيرة بأنواعها ، ومدة تخزينها . وهذا كان يفرض عليهم استيراد العنب من بلاد الشام ، متحملين بذلك غلاء ثمنه ، وتكاليف نقله ، وتوفير الشروط التي تمنعه من التلف ، ليصل سالماً مُهيئاً للتخمير .
هذه الشروط تجعله بعد تصنيعه خمراً غالية الثمن لا يستطيعها عامة الناس ، وبحاجة كما قلت لأيد خبيرة ماهرة تجعل منه خمراً ذا مذاق يرضي الطبقة الحاكمة ، وضيوفها الذين يردون عليها .
ومما لا شك فيه أن هذا الساقي قد تحدث مع يوسف عليه السلام في سجنه واصفاً له خبرته في تصنيع الخمر . هذا البعد الاجتماعي والمهني لم يغب عن ذهن يوسف عندما عُرضت عليه رؤيا هذا الساقي . ولهذا أوّلها له فقال : ) أما أحدكما فيسقي ربه خمراً ( [ يوسف :41] .
فقد أدرك أن عصر هذا الساقي للخمر لا يكون إلا في القصر الملكي ، وخبرته في تصنيعها تجعله مقتدراً على استيعاب الأسلوب الراقي في تقديمها لضيوف القصر الملكي .
ويعتبر العصر هنا والعصير في تأويل رؤيا الملك القادمة . أصل من أصول هذا العلم يدل على فرج وخير قادم للرائي إن كان مفرداً ، وللجماعة إن كان عاماً . بعد شدة وضيق .
هذه العناية الإلهية التي أحاطته كانت من خلال تلك الرؤى الصادقة التي أُكرم بـها . وإنني لأرى أن هذا الكيد قد وصل أقصاه ، إذ أنه كانت هناك رؤى خاصة به تحذره من هؤلاء المجرمين الذين يسعون إلى قتله والخلاص منه .
ورؤيتي لهذا الواقع إنـما استنتجتها من خلال دعوته إلى ربه أن يسجن . فالسجن حماية للمرء من براثن القتلة خارجه . وعندما لم يستطيعوا قتله سعوا إلى سجنه ) ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننّه حتى حين ([ يوسف :35] .
وهنا تتحد الأهداف من وراء سجنه، فبالنسبة ليوسف عليه السلام هو حماية له ، وبالنسبة لأولئك يحقق الحد الأدنى لهم من سوء سمعته والتشهير به .
إلى هنا تكون هذه التجربة قد اكتملت أبعادها ، ووصلت إلى نهايتها التي أراد لها الله تعالى من قبل . ورؤية الإنسان نفسه في السجن في المنام أصل مستمد من أصول هذا التحليل ، ويدل على كل من سيتهم بتهمة باطلة هو بريء منها .
ولتأكيد هذا الأصل ، لا بد لي من أن أروي هذا المنام الذي قصته عليّ محضرة للعلوم في إحدى المدارس .
قالت : رأيت زوجي في نومي في السجن .
قلت لها على الفور : يتهم تهمة باطلة هو بريء منها ثم ينجو .
وبعد أسبوع تماماً . قالت لي : من أين استجمعت تأويلك لرؤياي عن زوجي ؟ لقد كان تأويلاً صادقاً تماماً .
وقصته كما يلي : إن زوجي كان متطوعاً في الجيش ومسؤولاً أثناءها عن قطع عسكرية ذات قيمة ، ولما بلغ الستين تم إعفاؤه من العمل .
وبعد خمس سنوات من إعفائه جاءه تبليغ بحضور محكمة عسكرية ، وكان ذلك بعد تأويلك لرؤياي . وعندما ذهب إلى المحكمة بلغوه أن هناك قطعة ذات قيمة لم يقم بإبراء ذمته منها . ولحسن الحظ ، فإن زوجي كان يحتفظ بأوراقه كاملة ، على الرغم من مرور هذه السنوات على تسريحه ، ومن بين هذه الأوراق ، الورقة التي تثبت تسليمه لتلك القطعة . وقد صدر البارحة قرار ببراءته .
* * * * *
وأما النقطة الجوهرية الثانية التي تطرحها هذه القصة القرآنية فهي البرهان الإلهي . ) ولقد همت به وهمَّ بـها لولا أن رأى برهان ربه ( [ يوسف : 24] .
فالبرهان هو الدليل القاطع الذي يقوم بعد مناقشة عقلية محضة ، فإذا كان من الله فهو دليل مانع لأي شك وصل الذروة في مناقشة عقلية ولم يصل فيها صاحبـها إلى اليقين . ففي حالة يوسف عليه السلام ، كان يرى – وهو يعيش في مجتمع وثني – انحلال هذا المجتمع وتفسخه ، فلا يقيم وزناً لخلق أو دين .
فامرأة العزيز عندما دعت النسوة ليروا جماله ، انبهرن به ، وقطعن أيديهن ، ولم يصدر عن امرأة منهن ما يدل على استنكارها ، لما تعرضه تلك المرأة عليهن .
مجتمع كهذا ليس للفضيلة مكان فيه، مرتع خصب لشاب أعزب ، تتنامى لديه الرغبة الجنسية العارمة التي يؤججها جو من الإباحية ، والتعري ، شبيه تماماً بما نراه في المجتمع الغربي اليوم .
ولكنه – في الوقت نفسه – يعيش في بيت رجل لم يجد منه إلا كل إحسان ورعاية ، فكيف يمكن له أن يرد على إحسانه بالإساءة ؟ وهل يتقبل عقله وضميره أن يخونه في زوجته ؟ هذا الصراع بين عقله وشهوته كان بحاجة إلى برهان . برهان يستند إليه يكون منجياً له من صراعه ، ومنقذاً له من معاناته .
إنه – وإن كان قد همَّ بـها – فإنه لا يزال يحتفظ بتلك القدرة العقلية والضميرية التي تغلب شهوته .
هذه المساحة المحدودة ما بين العقل والشهوة التي يتنامى أحدها على حساب الآخر ، كان بحاجة ماسة فيها إلى برهان يريحه . برهان يضع حداً فاصلاً ما بين هذا وذاك .
ولم يكن هناك من أحد يستطيع أن يبوح له بما يعانيه ، وليس هناك من رادع اجتماعي له فهو في بيئة غريب عنها ، ولم يعد هناك من باب يطرقه غير باب الله تعالى .
في هذا الموقف العصيب كان هناك البرهان الإلهي مادّاً حبل النجاة له . لقد كان نوراً إلهياً حقيقياً رآه بعينيه قاطعاً الشك باليقين المطلق . إنه الله الذي أكرمه بهذا البرهان فهو الذي يسمع ويرى .
لقد كان هذا المشهد النوراني لمحة كافية له لتنقله من العالم المادي المحيط به ، إلى العالم الروحاني المطلق .
ولكن ألم يكن إبراهيم عليه السلام وهو صاحب الإيمان المطلق بحاجة إلى برهان كهذا ؟ ألم يطلب من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ؟
ثم ألم يكن لوط عليه السلام بحاجة إلى برهان إلهي ينقذه وضيوفه مما أراد قومه أن يفعلوه بهم ؟ ألم يقل في هذا الموقف العصيب ) لو أنّ لي بكم قوة أو أوي إلى ركن شديد ( [ هود : 80] ؟
في اللحظة الحاسمة الفاصلة يأتي البرهان الإلهي فيكون تكريماً عظيماً من الله سبحانه لعبده الصابر المُعاني الذي لا يجد عوناً من أحد إلا عون الله له . وهكذا يكون هذا البرهان تكريماً من الله لعبد يستحق هذا التكريم .
إن هذا البرهان الإلهي يأتي لصاحبه مرّة واحدة فقط . ولن يكون هناك بعده حاجة لبرهان آخر .
هذه الحقيقة في البرهان تتعرض باستمرار لاستخدام كاذب من أولئك المشاركين ، مدعين أنّ فلاناً سيحدث معه كذا ، فإذا سئلوا عن مصدر علمهم بهذا قالوا : شيء أكرمنا الله به .
ونختتم هذا الفصل بأصل من أصول هذا العلم وهو اجتماع النسوة ، فكل اجتماع لهن دليل على مصيبة ستحدث في مكان اجتماعهن ، ولو كان ذلك في الحرم .
وللغة دور في تأكيد هذا الأصل حيث لفظة ( المأتم ) هي لفظة خاصة باجتماع النساء حصراً سواء كان هذا الاجتماع لخير أو لشر . ومن نافلة القول أن الناس يستعملونها للدلالة على المصيبة ( [18] ) .
* * * * *
هذا النور الإلهي الذي يصاحب البرهان يمنح صاحبه صفاءً ذهنياً وعقلياً ونفسياً لا مثيل له . ولا يعرفه حق المعرفة إلا من تذوقه .
وهذا مصداق قوله تعالى : ) ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ([ النور :40] .
ولابد لكل من أذن الله له بالخوض في علم كعلم التأويل من أن يكون قد رأى هذا النور الإلهي الذي منه يستمد هذا الإلهام في تأويله . وهنا نتوقف عند تحليل الرؤيتين اللتين عُرضتا على يوسف وهو في السجن . ويكون ترتيبهما الرؤيا الثالثة والرابعة في القرآن الكريم :
3- الرؤيا الأولى : ساقي الملك . قال : ) إني أراني أعصر خمراً ([ يوسف :36] .
إن هذه الرؤيا هي خير مثال للرؤيا الصادقة لأنها تحوي الشروط الأربعة التي حددتها في فصل سابق لها .
وإنني إذ أقوم بتحليلها فإنني أفعل ذلك ، وكأنها تُعرض علي اليوم ، فماذا عساي أن أقول فيها ؟ إن مصر لم تكن في يوم من الأيام منتجة للعنب ، ولذلك فإنهم مضطرون لاستيراد الخمر مصنعاً من بلاد الشام . فجودة الخمر مرهونة بجودة العنب الذي يصلح للتخمير .
هذه الخمر المصنعة ربما ترضي أذواق العامة من الناس ، أما القصور الملكية التي تقدمه شراباً لضيوفها ، فإنها تحتاج إلى خمر مصنعة من أجود أصناف العنب ، وتحضرها أيد خبيرة ، لها باع طويل في تصنيعه بيديها بما يرضي مذاق الطبقة الراقية الخبيرة بأنواعها ، ومدة تخزينها . وهذا كان يفرض عليهم استيراد العنب من بلاد الشام ، متحملين بذلك غلاء ثمنه ، وتكاليف نقله ، وتوفير الشروط التي تمنعه من التلف ، ليصل سالماً مُهيئاً للتخمير .
هذه الشروط تجعله بعد تصنيعه خمراً غالية الثمن لا يستطيعها عامة الناس ، وبحاجة كما قلت لأيد خبيرة ماهرة تجعل منه خمراً ذا مذاق يرضي الطبقة الحاكمة ، وضيوفها الذين يردون عليها .
ومما لا شك فيه أن هذا الساقي قد تحدث مع يوسف عليه السلام في سجنه واصفاً له خبرته في تصنيع الخمر . هذا البعد الاجتماعي والمهني لم يغب عن ذهن يوسف عندما عُرضت عليه رؤيا هذا الساقي . ولهذا أوّلها له فقال : ) أما أحدكما فيسقي ربه خمراً ( [ يوسف :41] .
فقد أدرك أن عصر هذا الساقي للخمر لا يكون إلا في القصر الملكي ، وخبرته في تصنيعها تجعله مقتدراً على استيعاب الأسلوب الراقي في تقديمها لضيوف القصر الملكي .
ويعتبر العصر هنا والعصير في تأويل رؤيا الملك القادمة . أصل من أصول هذا العلم يدل على فرج وخير قادم للرائي إن كان مفرداً ، وللجماعة إن كان عاماً . بعد شدة وضيق .
engmze- Admin
-
عدد الرسائل : 58
تاريخ التسجيل : 04/12/2008
رد: اقوال من مصطلحات القران الكريم
4- وأما الرؤيا الرابعة التي عرضها القرآن الكريم وهي الثانية التي أوّلها يوسف عليه السلام في السجن إنها رؤيا الخباز الذي قال :
) إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه ([ يوسف :36] .
وكان تأويله لها ) وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه ([ يوسف :41] .
وتنطبق على هذه الرؤيا الشروط الأربعة التي يقتضيها صدقها ، فهي قصيرة وألفاظها قليلة ، وقد وعاها ذهن الرائي ، وأخيراً حملت هدفاً كان إنذاراً بسوء مصيره .
ومما لا شك فيه أن يوسف عليه السلام قد استمع إلى قصة هذا الخباز باعتبارهما سجينين ، لكنه ربما كان كاذباً في رواية سبب سجنه . محاولاً أن يبرأ نفسه مما هو منسوب إليه .
إذ أن من أهداف الرؤيا الصادقة أن تنفي باطلاً أو تثبت حقيقة فجاءت هذه الرؤيا لتحمل بعداً اجتماعياً يقرر فيما بعد مصير هذا الخباز .
ففي عصرهم كان الخبز يباع معروضاً على طبق من قش ، يحمله الأجير على رأسه ، متنقلاً فيه من حي إلى حي . فلما رأى أن الطير تأكل من هذا الخبز فقد استدل منه على أن حامله مفقود ، إذ أنه لو كان حياً لما اقتربت الطير منه .
ومما هو مألوف أن ترد الطيور غير اللاحمة البيادر تلتقط منها الحب الذي تركه الفلاحون بعد جمعه . لقد أثبتت هذه الرؤيا ليوسف عليه السلام ان هذا الخباز ارتكب الجريمة التي يستحق عليها القتل .
وأما أنه قال ( فيصلب ) فقد كانت عقوبة الإعدام في عصرهم هو الصلب ، والمصلوب في العراء يكون عرضة لوقوف الطير عليه ناهشة من رأسه .
ويعتبر رؤية الخباز في النوم هو رؤية لرجل مشاغب ذي مشاكل كثيرة ، وخاصة لملامسته النار بشكل دائم . ورؤية الحب المنثور دليل على أرزاق ضائعة لا تجد من يطالب بـها . ورؤية المصلوب دليل على ثبات التهمة التي تنسب لهذا الرجل أو ذاك . والناقر حي والمنقور هالك . وهذا الأصل تؤكده الرؤيا التي رآها عمر بن الخطاب لنفسه فهو يقول : رأيت كأن ديكاً نقرني نقرتين أو ثلاث .
فلما قص رؤياه على أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت له :
يقتلك رجل من العجم المماليك .
فكان تأويل الديك رجلاً أعجمياً ، وتأويل النقر الطعن . وقد طعنه لؤلؤة الفارسي طعنتين أو ثلاث كما قالت الرؤيا ، وكانت بذلك نهاية عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( [19] ) .
وهذا كله أصول من أصول هذا العلم .
* * * * *
5- الرؤيا الخامسة التي عرضها القرآن الكريم ، وهي الثالثة والأخيرة التي أوّلها يوسف عليه السلام وكانت سبباً في خروجه من السجن .
) وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف ، وسبع سنبلات خضر وأُخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون ، قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ( [ يوسف : 44]
ولي عند هذه الرؤيا وقفة متأنية أعالج فيها أموراً عدة منها :
أن العصور القديمة أفراداً ومجتمعات كانوا يولون الرؤيا الصادقة أهمية كبرى ، ويؤمنون بـها وبإلزاميتها . ولهم فيها مقاييس ثابتة ، اعتبرت بالنسبة إليهم ، ولا تزال كذلك ، بالنسبة إلينا أصولاً يعتدّ بـها من أصول هذا العلم .
فعلى مستوى الأفراد ، مرّت بنا رؤيتا السجينين مع يوسف عليه السلام ، ولكن في هذه الرؤيا يستوقفني قول الملك ) أفتوني في رؤياي (
وتشير المصادر التاريخية التي تتحدث عن الطب عند قدماء المصريين . إلى وجود مكتب خاص في القصر الملكي ، يضم فيه نخبة من المعبرين . ويؤكد قول الملك هذا وجود طائفة منهم بين يديه ، قصّ عليهم رؤياه .
وما كان ذلك إلا لإدراكهم لأهمية الرؤيا ، وما تحمله من توجيه وتنبيه ومساعدة للملك في إدارة شؤون الحكم ، والقيام بمصالح الشعوب .
لقد مكنت هذه الرؤيا ، هذا الملك ، من أن يسلك الطريق الذي أنجاه وشعبه من كارثة محققة كانت ستحل بهم .
فسبع سنوات متتالية من الجفاف ، والقحط المريع ، كانت كافية ليذوق شعب مصر مرارة الجوع ، وغلاء الأسعار ، وقلة الموارد .
لقد كانت رؤيا الملك ، بعد إيمانه بـها ، وبعد أن نفذ مقتضاها ، منجاة لشعب بكامله مما ينتظره من مآس وويلات .
وإذا كان إيمان الأفراد بالرؤيا الصادقة له تلك المكانة في تلك العصور ، فإن إيمان المجتمعات لم يكن يقل أهمية في إيمانها بـها عن الأفراد . وسنعالج ذلك عند الحديث عن معركة بدر .
والنقطة الثانية التي تعالجها هذه الرؤيا قول الملك ) أفتوني في رؤياي ( وقول المعبرين عنها ) أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ( .
لقد كانت هذه الرؤيا من الصدق والوضوح ما جعل الملك يطلق عليها اسم رؤيا ، فقد كانت رموزها مما يستحيل على أي متخيل أن يستجمعه . لقد كانت رموزها منصرفة عن ذهن الملك تماماً . مما جعله يدرك أن هذه الرؤيا من الله سبحانه لا من صنع خياله .
أما المعبرون فقد وجدوها طويلة ، ذات ألفاظ كثيرة ، فنفوا عنها صفة الرؤيا . وهي في حقيقتها أطول رؤيا عرضها القرآن الكريم من حيث عدد ألفاظها . إذ أنه من الثابت لديهم أن الرؤيا الصادقة ألفاظها قليلة .
ولنا وقفة أخرى عند الفروق بين الرؤيا والحلم عندما نتوقف عند تحليل رؤيا بسمارك كما وصفها ( فرويد ) في كتابه تفسير الأحلام .
ولا يسعني هنا إلا أن أنبه إلى حقيقة رحمة الله تعالى بالملوك والرؤساء الذين يتحملون مسؤولية شعوبهم ، فهم في حقيقتهم نواب عن الله في أرضه ، يحكمون بأمره ، وعلى أيديهم تجري أرزاقهم ، وتصريف شؤونهم في أمور دنياهم ، من عدالة ، وأرزاق ، ومعاملات .
ولطالما هم يتحملون هذه المسؤولية التي كلفوا بـها بإرادتهم أو بغير إرادتهم ، وبعلمهم أو بغير علمهم ، فإن من رحمة الله تعالى بهم أن يكرمهم بالرؤى الصادقة التي تعينهم على تحمل هذه المسؤوليات الجسام .
وما رؤيا هذا الملك إلا تطبيق عملي لرحمة الله تعالى به وبشعبه .
أما كيف استطاع يوسف عليه السلام أن يعبّرَ هذه الرؤيا هذا التأويل المبدع ؟ فهنا يكمن الإلهام الذي يفتقده المعبرون المجتهدون .
لقد قسّم يوسف عليه السلام رؤيا الملك إلى قسمين متساويين فكانت البقرات السمان دليل خصب للقرينة التي تصاحبها وهي ( سنبلات خضر )
وكانت البقرات العجاف دليل قحط للقرينة التي تصاحبها وهي ( وأُخر يابسات ) .
أما كيف استدل يوسف عليه السلام بأن نهاية هذا القحط هو سنة مخصبة فهذا ما خصّ الله به يوسف في تأويله . إذ لم يرد في ألفاظ الرؤيا ما يشير إلى ذلك .
لقد وفرت هذه الرؤيا لشعب بكامله ، الوسائل التي تمكنه من أن يتحكم في شؤون حياته لمدة خمسة عشر عاماً . وإنها لمدة زمنية طويلة ، كان من الممكن – لولاها – أن يعاني هذا الشعب معاناة حقيقية .
لقد كان تأويل يوسف عليه السلام لها ) تزرعون سبع سنين دأباً ، فما حصدتم فذروه في سنبله ( [ يوسف : 47 ] حلاً مسبقاً لمشكلة قادمة .
وعلى هذا فإن البقرة السمينة خصب سنة ، والهزيلة فقر سنة . والسنابل الخضر خير عميم ، والسنابل اليابسة تخزين لشدة . والغياث فرج قادم بعد سنة ، من ضيق وعسر . والعصر فرج ، والعصير رزق ورخاء ، فإن كان المعصور في أوانه كان رزقاً حاضراً ، وإن كان في غير أوانه ، فهي أرزاق قادمة مجهولة المصدر ( ويرزقه من حيث لا يحتسب ) وكل هذه الألفاظ أصول من أصول هذا العلم .
وهنا لا بد من أن أذكر تلك الرؤيا التي أوّلتها لصديق طبيب كان يعمل في دولة خليجية ، ولأمر ما صدر قرار بإبعاده ، ولم يستطع لقصر المدة الممنوحة له للمغادرة من أن يحصل على تعويضه لسنوات خدمته . فقال :
رأيت في نومي طالبين كانا يدرسان معي في كلية الطب أحدهما ( غياث ) والثاني ( نهلة ) قلت له على الفور : ما أخبار تعويضاتك عن سنوات خدمتك ؟
قال : ولمَ تسأل عن هذا الموضوع الذي لم يخطر لي على بال ؟
قلت : تعويضاتك ستصل إليك بعد عام من الآن ، وعندما تأتيك ستكون بأمس الحاجة لها .
قال : كيف ربطت هذا ؟
قلت : اسم غياث فيه دلالة على الفرج بعد الشدة ، ولكن بعد سنة من تاريخ الرؤيا . لقوله تعالى ) ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس ( لقد تحددت مدة الغياث بعام . وأما اسم ( نهلة ) فالنهل هو شربة الظمآن الأولى بعد عطش شديد .
) إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه ([ يوسف :36] .
وكان تأويله لها ) وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه ([ يوسف :41] .
وتنطبق على هذه الرؤيا الشروط الأربعة التي يقتضيها صدقها ، فهي قصيرة وألفاظها قليلة ، وقد وعاها ذهن الرائي ، وأخيراً حملت هدفاً كان إنذاراً بسوء مصيره .
ومما لا شك فيه أن يوسف عليه السلام قد استمع إلى قصة هذا الخباز باعتبارهما سجينين ، لكنه ربما كان كاذباً في رواية سبب سجنه . محاولاً أن يبرأ نفسه مما هو منسوب إليه .
إذ أن من أهداف الرؤيا الصادقة أن تنفي باطلاً أو تثبت حقيقة فجاءت هذه الرؤيا لتحمل بعداً اجتماعياً يقرر فيما بعد مصير هذا الخباز .
ففي عصرهم كان الخبز يباع معروضاً على طبق من قش ، يحمله الأجير على رأسه ، متنقلاً فيه من حي إلى حي . فلما رأى أن الطير تأكل من هذا الخبز فقد استدل منه على أن حامله مفقود ، إذ أنه لو كان حياً لما اقتربت الطير منه .
ومما هو مألوف أن ترد الطيور غير اللاحمة البيادر تلتقط منها الحب الذي تركه الفلاحون بعد جمعه . لقد أثبتت هذه الرؤيا ليوسف عليه السلام ان هذا الخباز ارتكب الجريمة التي يستحق عليها القتل .
وأما أنه قال ( فيصلب ) فقد كانت عقوبة الإعدام في عصرهم هو الصلب ، والمصلوب في العراء يكون عرضة لوقوف الطير عليه ناهشة من رأسه .
ويعتبر رؤية الخباز في النوم هو رؤية لرجل مشاغب ذي مشاكل كثيرة ، وخاصة لملامسته النار بشكل دائم . ورؤية الحب المنثور دليل على أرزاق ضائعة لا تجد من يطالب بـها . ورؤية المصلوب دليل على ثبات التهمة التي تنسب لهذا الرجل أو ذاك . والناقر حي والمنقور هالك . وهذا الأصل تؤكده الرؤيا التي رآها عمر بن الخطاب لنفسه فهو يقول : رأيت كأن ديكاً نقرني نقرتين أو ثلاث .
فلما قص رؤياه على أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت له :
يقتلك رجل من العجم المماليك .
فكان تأويل الديك رجلاً أعجمياً ، وتأويل النقر الطعن . وقد طعنه لؤلؤة الفارسي طعنتين أو ثلاث كما قالت الرؤيا ، وكانت بذلك نهاية عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( [19] ) .
وهذا كله أصول من أصول هذا العلم .
* * * * *
5- الرؤيا الخامسة التي عرضها القرآن الكريم ، وهي الثالثة والأخيرة التي أوّلها يوسف عليه السلام وكانت سبباً في خروجه من السجن .
) وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف ، وسبع سنبلات خضر وأُخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون ، قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ( [ يوسف : 44]
ولي عند هذه الرؤيا وقفة متأنية أعالج فيها أموراً عدة منها :
أن العصور القديمة أفراداً ومجتمعات كانوا يولون الرؤيا الصادقة أهمية كبرى ، ويؤمنون بـها وبإلزاميتها . ولهم فيها مقاييس ثابتة ، اعتبرت بالنسبة إليهم ، ولا تزال كذلك ، بالنسبة إلينا أصولاً يعتدّ بـها من أصول هذا العلم .
فعلى مستوى الأفراد ، مرّت بنا رؤيتا السجينين مع يوسف عليه السلام ، ولكن في هذه الرؤيا يستوقفني قول الملك ) أفتوني في رؤياي (
وتشير المصادر التاريخية التي تتحدث عن الطب عند قدماء المصريين . إلى وجود مكتب خاص في القصر الملكي ، يضم فيه نخبة من المعبرين . ويؤكد قول الملك هذا وجود طائفة منهم بين يديه ، قصّ عليهم رؤياه .
وما كان ذلك إلا لإدراكهم لأهمية الرؤيا ، وما تحمله من توجيه وتنبيه ومساعدة للملك في إدارة شؤون الحكم ، والقيام بمصالح الشعوب .
لقد مكنت هذه الرؤيا ، هذا الملك ، من أن يسلك الطريق الذي أنجاه وشعبه من كارثة محققة كانت ستحل بهم .
فسبع سنوات متتالية من الجفاف ، والقحط المريع ، كانت كافية ليذوق شعب مصر مرارة الجوع ، وغلاء الأسعار ، وقلة الموارد .
لقد كانت رؤيا الملك ، بعد إيمانه بـها ، وبعد أن نفذ مقتضاها ، منجاة لشعب بكامله مما ينتظره من مآس وويلات .
وإذا كان إيمان الأفراد بالرؤيا الصادقة له تلك المكانة في تلك العصور ، فإن إيمان المجتمعات لم يكن يقل أهمية في إيمانها بـها عن الأفراد . وسنعالج ذلك عند الحديث عن معركة بدر .
والنقطة الثانية التي تعالجها هذه الرؤيا قول الملك ) أفتوني في رؤياي ( وقول المعبرين عنها ) أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ( .
لقد كانت هذه الرؤيا من الصدق والوضوح ما جعل الملك يطلق عليها اسم رؤيا ، فقد كانت رموزها مما يستحيل على أي متخيل أن يستجمعه . لقد كانت رموزها منصرفة عن ذهن الملك تماماً . مما جعله يدرك أن هذه الرؤيا من الله سبحانه لا من صنع خياله .
أما المعبرون فقد وجدوها طويلة ، ذات ألفاظ كثيرة ، فنفوا عنها صفة الرؤيا . وهي في حقيقتها أطول رؤيا عرضها القرآن الكريم من حيث عدد ألفاظها . إذ أنه من الثابت لديهم أن الرؤيا الصادقة ألفاظها قليلة .
ولنا وقفة أخرى عند الفروق بين الرؤيا والحلم عندما نتوقف عند تحليل رؤيا بسمارك كما وصفها ( فرويد ) في كتابه تفسير الأحلام .
ولا يسعني هنا إلا أن أنبه إلى حقيقة رحمة الله تعالى بالملوك والرؤساء الذين يتحملون مسؤولية شعوبهم ، فهم في حقيقتهم نواب عن الله في أرضه ، يحكمون بأمره ، وعلى أيديهم تجري أرزاقهم ، وتصريف شؤونهم في أمور دنياهم ، من عدالة ، وأرزاق ، ومعاملات .
ولطالما هم يتحملون هذه المسؤولية التي كلفوا بـها بإرادتهم أو بغير إرادتهم ، وبعلمهم أو بغير علمهم ، فإن من رحمة الله تعالى بهم أن يكرمهم بالرؤى الصادقة التي تعينهم على تحمل هذه المسؤوليات الجسام .
وما رؤيا هذا الملك إلا تطبيق عملي لرحمة الله تعالى به وبشعبه .
أما كيف استطاع يوسف عليه السلام أن يعبّرَ هذه الرؤيا هذا التأويل المبدع ؟ فهنا يكمن الإلهام الذي يفتقده المعبرون المجتهدون .
لقد قسّم يوسف عليه السلام رؤيا الملك إلى قسمين متساويين فكانت البقرات السمان دليل خصب للقرينة التي تصاحبها وهي ( سنبلات خضر )
وكانت البقرات العجاف دليل قحط للقرينة التي تصاحبها وهي ( وأُخر يابسات ) .
أما كيف استدل يوسف عليه السلام بأن نهاية هذا القحط هو سنة مخصبة فهذا ما خصّ الله به يوسف في تأويله . إذ لم يرد في ألفاظ الرؤيا ما يشير إلى ذلك .
لقد وفرت هذه الرؤيا لشعب بكامله ، الوسائل التي تمكنه من أن يتحكم في شؤون حياته لمدة خمسة عشر عاماً . وإنها لمدة زمنية طويلة ، كان من الممكن – لولاها – أن يعاني هذا الشعب معاناة حقيقية .
لقد كان تأويل يوسف عليه السلام لها ) تزرعون سبع سنين دأباً ، فما حصدتم فذروه في سنبله ( [ يوسف : 47 ] حلاً مسبقاً لمشكلة قادمة .
وعلى هذا فإن البقرة السمينة خصب سنة ، والهزيلة فقر سنة . والسنابل الخضر خير عميم ، والسنابل اليابسة تخزين لشدة . والغياث فرج قادم بعد سنة ، من ضيق وعسر . والعصر فرج ، والعصير رزق ورخاء ، فإن كان المعصور في أوانه كان رزقاً حاضراً ، وإن كان في غير أوانه ، فهي أرزاق قادمة مجهولة المصدر ( ويرزقه من حيث لا يحتسب ) وكل هذه الألفاظ أصول من أصول هذا العلم .
وهنا لا بد من أن أذكر تلك الرؤيا التي أوّلتها لصديق طبيب كان يعمل في دولة خليجية ، ولأمر ما صدر قرار بإبعاده ، ولم يستطع لقصر المدة الممنوحة له للمغادرة من أن يحصل على تعويضه لسنوات خدمته . فقال :
رأيت في نومي طالبين كانا يدرسان معي في كلية الطب أحدهما ( غياث ) والثاني ( نهلة ) قلت له على الفور : ما أخبار تعويضاتك عن سنوات خدمتك ؟
قال : ولمَ تسأل عن هذا الموضوع الذي لم يخطر لي على بال ؟
قلت : تعويضاتك ستصل إليك بعد عام من الآن ، وعندما تأتيك ستكون بأمس الحاجة لها .
قال : كيف ربطت هذا ؟
قلت : اسم غياث فيه دلالة على الفرج بعد الشدة ، ولكن بعد سنة من تاريخ الرؤيا . لقوله تعالى ) ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس ( لقد تحددت مدة الغياث بعام . وأما اسم ( نهلة ) فالنهل هو شربة الظمآن الأولى بعد عطش شديد .
engmze- Admin
-
عدد الرسائل : 58
تاريخ التسجيل : 04/12/2008
رد: اقوال من مصطلحات القران الكريم
6 - معركة بدر
هي المعركة الفاصلة الأولى في تاريخ الإسلام . ولا أريد لحديثي هذا أن يكون تكراراً لما قاله المؤرخون والمحللون والعسكريون عن هذه المعركة .
وإنـما يقتصر حديثي على دور الرؤيا الصادقة التي سبقت هذه المعركة ، ومن خلالها نعالجها . ونبدأ بالرؤيا الصادقة التي رآها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، فالله سبحانه يقول : ) إذ يريكهمُ الله في منامك قليلاً ، ولو أراكهم كثيراً لفشلتم وتنازعتم في الأمر ، ولكنّ الله سلّم ، إنه عليم بذات الصدور ( [ الأنفال :43]
لقد كانت رؤية النبي I لأعداد المشركين قليلة العدد ضرورية له ، لمعان عدة كانت تجول في خاطر النبي الكريم قبلها .
إنه – هو نفسه – لم يخض معركة حقيقية من قبل ، وكل خبرته في القتال كانت عندما كان حدثاً لا يزيد عمره عن ستة عشر عاماً ، عندما شارك أعمامه في حرب الفجار ، حيث كان يجمع النبل لأعمامه .
إنه – الآن – ليس جندياً في المعركة ، بل هو قائد لها . وهذا يحمّله – وحده – مسؤولية النصر أو الهزيمة فيها .
ثم إنه يقود جيشاً من عدد قليل ، ولم يتهيأوا – بعد – لا عسكرياً ولا عقائدياً لمعركة حاسمة كهذه . فبعضهم لا يزال حديث العهد بالإسلام ، والبعض الآخر لا يملك العدة اللازمة لخوض معركة .
هذا الوضع الخاص الذي لا يتفهمه أحد كما يتفهمه النبي الكريم ، يستلزم إشارة خاصة من الله تعالى ، تعرّفه أين يضع قدمه ؟ وأين تسير به رجلاه ؟
وما كان الله عز وجل ليضنّ على نبيّه ببشارة تمنحه الثقة والاطمئنان اللذين هما بأشد الحاجة إليهما . فجاءت هذه الرؤيا الصادقة – قبل المعركة – مبشرة له بتحقيق النصر فيها .
( لقد رأى جيش المشركين قليل العدد ) وقد كانت البشارة في هذه الرؤيا حاضرة من خلال الآية الكريمة ) وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ([ البقرة :249] . هذه البشرى التي حملتها الرؤيا ، جعلت النبي الكريم I متيقناً من النصر . ولهذا نراه يقول لأصحابه : سيروا و أبشروا ، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأنني أنظر إلى مصارع القوم ( [20] ) .
وتتكرر لفظة الوعد بالنصر في قول الرسول الكريم I : (( اللهم فنصرك الذي وعدتني )) ( [21] ) .
هذا هو حال المؤمنين في المدينة بقيادة الرسول I ، فما حال المشركين في مكة بقيادة أبي جهل عمرو بن هشام ؟
تغطي رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب عن معركة بدر الوجه الآخر لحال المشركين في مكة قبل المعركة .
حيث يروي لنا ابن هشام في سيرته هذه الرؤيا فيقول :
قال ابن اسحق ، فأخبرني من لا أتهم عن عكرمة عن ابن عباس ، وعن يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قالا :
وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب ، قبل قدوم ( ضمضم ) مكة بثلاث ليال ، رؤيا أفزعتها . فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب ، فقالت له : يا أخي ، والله لقد رأيت هذه الليلة رؤيا أفظعتني ( أي اشتدت عليّ ) وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة ، فاكتم عني ما أحدثك به .
فقال لها : وما رأيت ؟ قالت : رأيت راكباً أقبل على بعيره ، حتى وقف بالأبطح ، ثم صرخ بأعلى صوته :
ألا انفروا يا لَغُدُر لمصارعكم في ثلاث . فأرى الناس اجتمعوا إليه ، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه . فبينـما هم حوله مَثُلَ به بعيره على ظهر الكعبة ، ثم صرخ بمثلها : ألا انفروا يا لَغُدُر لمصارعكم في ثلاث .
ثم مَثل به بعيره على رأس ( أبي قبيس ) فصرخ بمثلها .
ثم أخذ صخرة فأرسلها ، فأقبلت تهوي . حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت ( أي تفتت ) ، فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار ، إلا دخلتها منها فَلَقة .
قال العباس : والله إن هذه لرؤيا ! وأنت ، فاكتميها ولا تذكريها لأحد .
ثم خرج العباس ، فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة ، وكان له صديقاً ، فذكرها له واستكتمه إياها .
فذكرها الوليد لأبيه عتبة ، ففشا الحديث بمكة ، حتى تحدثت به قريش في أنديتها .
قال العباس : فغدوت لأطوف بالبيت ، وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة .
فلما رآني أبو جهل قال : يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا .
فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم . فقال لي أبو جهل : يا بني عبد المطلب ! متى حدثت فيكم هذه النبيّة ؟
قال : قلت : وما ذاك ؟ قال : تلك الرؤيا التي رأت عاتكة ؟
قال : فقلت : وما رأت ؟
قال : يا بني عبد المطلب ! أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم ؟ قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال : انفروا في ثلاث ، فسنتربص بكم هذه الثلاث ، فإن يك حقاً ما تقول فسيكون . وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء ، نكتب عليكم كتاباً ، أنكم أكذب أهل بيت في العرب .
قال العباس : فوالله ما كان مني إليه كبير ، إلا أني جحدت ذلك ، وأنكرت أن تكون عاتكة رأت شيئاً . قال : ثم تفرقنا .
فلما أمسيت ، لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني . فقالت :
أأقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ، ثم قد تناول النساء ، وأنت تسمع ، ثم لم يكن عندك غِيَرٌ لشيء مما سمعت !
قال : قلت : قد والله فعلت ، ما كان مني إليه كبير ، وأيمُ الله لأتعرضن له ، فإن عاد لأكفينّكنّه .
قال : فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة ، وأنا حديد مُغضب ، أرى أني قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه .
قال : فدخلت المسجد فرأيته ، فوالله إني لأمشي نحوه أتعرّضه ، ليعود لبعض ما قال فأقع به ، وكان رجلاً خفيفاً ، حديد الوجه ، حديد اللسان ، حديد النظر .
قال : إذ خرج نحو باب المسجد يشتدّ . قال : فقلت في نفسي : ما له ؟ لعنه الله . أكلّ هذا فَرَقٌ مني أن أشاتمه ؟
قال : وإذا هو قد سمع ما لم أسمع : صوت ضمضم بن عمرو الغفاري ، وهو يصرخ ببطن الوادي ، واقفاً على بعيره ، وقد جدع بعيره ، وحول رحله ، وشق قميصه ، وهو يقول : يا معشر قريش ! اللطيمة ، اللطيمة . أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه ، لا أرى أن تدركوها . الغوث ، الغوث .
قال : فشغلني عنه ، وشغله عني ما جاء من الأمر ( [22] ) .
.
هي المعركة الفاصلة الأولى في تاريخ الإسلام . ولا أريد لحديثي هذا أن يكون تكراراً لما قاله المؤرخون والمحللون والعسكريون عن هذه المعركة .
وإنـما يقتصر حديثي على دور الرؤيا الصادقة التي سبقت هذه المعركة ، ومن خلالها نعالجها . ونبدأ بالرؤيا الصادقة التي رآها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، فالله سبحانه يقول : ) إذ يريكهمُ الله في منامك قليلاً ، ولو أراكهم كثيراً لفشلتم وتنازعتم في الأمر ، ولكنّ الله سلّم ، إنه عليم بذات الصدور ( [ الأنفال :43]
لقد كانت رؤية النبي I لأعداد المشركين قليلة العدد ضرورية له ، لمعان عدة كانت تجول في خاطر النبي الكريم قبلها .
إنه – هو نفسه – لم يخض معركة حقيقية من قبل ، وكل خبرته في القتال كانت عندما كان حدثاً لا يزيد عمره عن ستة عشر عاماً ، عندما شارك أعمامه في حرب الفجار ، حيث كان يجمع النبل لأعمامه .
إنه – الآن – ليس جندياً في المعركة ، بل هو قائد لها . وهذا يحمّله – وحده – مسؤولية النصر أو الهزيمة فيها .
ثم إنه يقود جيشاً من عدد قليل ، ولم يتهيأوا – بعد – لا عسكرياً ولا عقائدياً لمعركة حاسمة كهذه . فبعضهم لا يزال حديث العهد بالإسلام ، والبعض الآخر لا يملك العدة اللازمة لخوض معركة .
هذا الوضع الخاص الذي لا يتفهمه أحد كما يتفهمه النبي الكريم ، يستلزم إشارة خاصة من الله تعالى ، تعرّفه أين يضع قدمه ؟ وأين تسير به رجلاه ؟
وما كان الله عز وجل ليضنّ على نبيّه ببشارة تمنحه الثقة والاطمئنان اللذين هما بأشد الحاجة إليهما . فجاءت هذه الرؤيا الصادقة – قبل المعركة – مبشرة له بتحقيق النصر فيها .
( لقد رأى جيش المشركين قليل العدد ) وقد كانت البشارة في هذه الرؤيا حاضرة من خلال الآية الكريمة ) وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ([ البقرة :249] . هذه البشرى التي حملتها الرؤيا ، جعلت النبي الكريم I متيقناً من النصر . ولهذا نراه يقول لأصحابه : سيروا و أبشروا ، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأنني أنظر إلى مصارع القوم ( [20] ) .
وتتكرر لفظة الوعد بالنصر في قول الرسول الكريم I : (( اللهم فنصرك الذي وعدتني )) ( [21] ) .
هذا هو حال المؤمنين في المدينة بقيادة الرسول I ، فما حال المشركين في مكة بقيادة أبي جهل عمرو بن هشام ؟
تغطي رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب عن معركة بدر الوجه الآخر لحال المشركين في مكة قبل المعركة .
حيث يروي لنا ابن هشام في سيرته هذه الرؤيا فيقول :
قال ابن اسحق ، فأخبرني من لا أتهم عن عكرمة عن ابن عباس ، وعن يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قالا :
وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب ، قبل قدوم ( ضمضم ) مكة بثلاث ليال ، رؤيا أفزعتها . فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب ، فقالت له : يا أخي ، والله لقد رأيت هذه الليلة رؤيا أفظعتني ( أي اشتدت عليّ ) وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة ، فاكتم عني ما أحدثك به .
فقال لها : وما رأيت ؟ قالت : رأيت راكباً أقبل على بعيره ، حتى وقف بالأبطح ، ثم صرخ بأعلى صوته :
ألا انفروا يا لَغُدُر لمصارعكم في ثلاث . فأرى الناس اجتمعوا إليه ، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه . فبينـما هم حوله مَثُلَ به بعيره على ظهر الكعبة ، ثم صرخ بمثلها : ألا انفروا يا لَغُدُر لمصارعكم في ثلاث .
ثم مَثل به بعيره على رأس ( أبي قبيس ) فصرخ بمثلها .
ثم أخذ صخرة فأرسلها ، فأقبلت تهوي . حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت ( أي تفتت ) ، فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار ، إلا دخلتها منها فَلَقة .
قال العباس : والله إن هذه لرؤيا ! وأنت ، فاكتميها ولا تذكريها لأحد .
ثم خرج العباس ، فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة ، وكان له صديقاً ، فذكرها له واستكتمه إياها .
فذكرها الوليد لأبيه عتبة ، ففشا الحديث بمكة ، حتى تحدثت به قريش في أنديتها .
قال العباس : فغدوت لأطوف بالبيت ، وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة .
فلما رآني أبو جهل قال : يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا .
فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم . فقال لي أبو جهل : يا بني عبد المطلب ! متى حدثت فيكم هذه النبيّة ؟
قال : قلت : وما ذاك ؟ قال : تلك الرؤيا التي رأت عاتكة ؟
قال : فقلت : وما رأت ؟
قال : يا بني عبد المطلب ! أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم ؟ قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال : انفروا في ثلاث ، فسنتربص بكم هذه الثلاث ، فإن يك حقاً ما تقول فسيكون . وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء ، نكتب عليكم كتاباً ، أنكم أكذب أهل بيت في العرب .
قال العباس : فوالله ما كان مني إليه كبير ، إلا أني جحدت ذلك ، وأنكرت أن تكون عاتكة رأت شيئاً . قال : ثم تفرقنا .
فلما أمسيت ، لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني . فقالت :
أأقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ، ثم قد تناول النساء ، وأنت تسمع ، ثم لم يكن عندك غِيَرٌ لشيء مما سمعت !
قال : قلت : قد والله فعلت ، ما كان مني إليه كبير ، وأيمُ الله لأتعرضن له ، فإن عاد لأكفينّكنّه .
قال : فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة ، وأنا حديد مُغضب ، أرى أني قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه .
قال : فدخلت المسجد فرأيته ، فوالله إني لأمشي نحوه أتعرّضه ، ليعود لبعض ما قال فأقع به ، وكان رجلاً خفيفاً ، حديد الوجه ، حديد اللسان ، حديد النظر .
قال : إذ خرج نحو باب المسجد يشتدّ . قال : فقلت في نفسي : ما له ؟ لعنه الله . أكلّ هذا فَرَقٌ مني أن أشاتمه ؟
قال : وإذا هو قد سمع ما لم أسمع : صوت ضمضم بن عمرو الغفاري ، وهو يصرخ ببطن الوادي ، واقفاً على بعيره ، وقد جدع بعيره ، وحول رحله ، وشق قميصه ، وهو يقول : يا معشر قريش ! اللطيمة ، اللطيمة . أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه ، لا أرى أن تدركوها . الغوث ، الغوث .
قال : فشغلني عنه ، وشغله عني ما جاء من الأمر ( [22] ) .
.
engmze- Admin
-
عدد الرسائل : 58
تاريخ التسجيل : 04/12/2008
مواضيع مماثلة
» اقوال من مصطلحات السنه النبوية
» مصطلحات الالوان للرؤيا من القران والسنه
» مصطلحات الارقام العددية فى الرؤيا من القران والسنة
» مطلحات الكلمات من القران الكريم
» مصطلحات الاشكال الهندسة للرؤيا
» مصطلحات الالوان للرؤيا من القران والسنه
» مصطلحات الارقام العددية فى الرؤيا من القران والسنة
» مطلحات الكلمات من القران الكريم
» مصطلحات الاشكال الهندسة للرؤيا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى